إن تراكم المعرفة البشرية في الجانبين هو الذي صنع مفردات الحضارة، حيث الشعوب تناوبت على صناعتها، بدءا من السومريين على ضفتي الفرات، إلى تاريخ الفراعنة على ضفاف نهر النيل، إلى الهند والصين واليونان والرومان والفرس، وانتهاء بحضارة حوض البحر الأبيض المتوسط وتنوع شعوبها. لقد بنى الإنسان لنفسه حضارة مهما جاءت ملامحها أو مفاصلها معبرة عن روح مجتمعها بطرق مختلفة، إلا أن المنبعين اللذين يغذيان هذه الملامح لا يخرجان من هاتين التجربتين الروحية والمادية.
هذه المقدمة لا بد منها؛ كي نوضح الخلفية التاريخية التي تستمد منها حقول الدراسات الجمالية موروثها وقيمها التي تعتمد عليها في شتى فروعها في فن الرسم والمنحوتات والكتابة الإبداعية والموسيقى وفنون المسرح والغناء ومظاهر تقاليد تلقي الموضة من مأكل وملبس ومشرب. هذه الخلفية تشير إلى قوة الترابط بين الإنسان والطبيعة والعالم، وكل ظاهرة أو حركة تحاول الفصل بينهما لا تعدو كونها محاولة فاشلة في طريق معرفتها بالإنسان والكون.
من هذا المنطلق، تعددت المقاربات التي تتصل بمفهوم الجمال وما يرتبط به من ظواهر كالتعبير عن الفرح أو الحزن عند مختلف المجتمعات قديمة أو حديثة وما يتبع ذلك من احتفالات وكرنفالات ومهرجانات تشكل في مجملها الموروث الجمالي والأدبي والفني، الذي يتصف به هذا المجتمع أو ذاك. وليس هناك مجتمع من المجتمعات يخلو من هذه الصفات مهما تباعدت المجتمعات أو اقتربت فكريًا أو اجتماعيًا أو جغرافيًا.