الأفكار الدينية المتطرفة هي المرتكز الذي تقوم عليه عقيدة الإرهاب.. لست هنا بصدد الحديث عن دوافع الإرهابيين وكيفية تشكل اتجاهاتهم.. إنما أردت أن ألفت النظر إلى قضية أخرى؛ وهي دور «الفكرة» في تشكل الاتجاهات.. فالتطرف الذي نشهده في الأفكار الدينية بل والاجتماعية والسياسية هو في أساسه مجموعة أفكار شكلت تصورا ذهنيا معينا، نتج عنه سلوك انفعالي عدواني..
ليست عقيدة الإرهاب وحدها القائمة على التطرف، بل أيضا العنصرية، والتمييز، والتصنيف، جميعها قائمة على مبدأ التطرف.. وهي ممارسات مزعجة جدا في المحيط الاجتماعي.. وممارسوها يعتقدون أنهم بمنأى عنها، لكنهم معبأون بها، بعضهم في الوعي والآخر في اللاوعي..
في الأزمات تتكشف أنماط العقول، وأعني بالأزمات تلك الأحداث السياسية والاجتماعية وأيضا الاقتصادية التي تستفز بوح الجماهير بالتعليق عليها وأحيانا تفنيدها وتحليلها.. في هذه الظروف تتجه أنظار الناس إلى تحليلات النخب الفكرية والمثقفين وكبار الإعلاميين، باعتبارهم قدوة فكرية تمثل «قبلة اتجاهات العامة».. ولأن أمثال هؤلاء مؤثرون في مشهد الرأي العام، نحن نهتم لآرائهم وتحليلاتهم، ويؤسفنا ما نلحظه في مضامين أقوال بعضهم.. من سطحية النظرة، وتطرف في التوجهات، فلغة الكراهية أو الحب حد التقديس تغطي تحليلاتهم.. خطاباتهم وافتراضاتهم عاطفية لا تقرأ فيها لغة الحياد أو الموضوعية.. ومن العار أن يكون أمثال هؤلاء قادة للفكر الجمعي..
وعليه لا أستغرب من تفشي لغة التطرف في خطاب الجماهير، الحدية في النقد وأحيانا التجني.. بعض الأدمغة مؤدلجة بطريقة ميكانيكية، تشعرك باليأس من شفائها..
أعرف أن الإنسان يولد وهو معرض لأيدولوجيا قسرية تمارس هيمنتها عليه، وليس من السهل فكاكه عنها.. أعلم ان عمليات تشكل الوعي في مجملها خارجية وجبرية، والإنسان بطبعه ميال للانصياع لرأي الجماعة، ويراه قدوة له بطريقة آلية هو لا يشعر بها.. (لكن) العلم والمعرفة، والاطلاع على الثقافات، والتدريب المستمر على التفكير بمنطق، من شأنها أن تخفف وطأة الأدلجة الفكرية والتبعية العمياء.. لكن حالنا الآن يجعلنا نعيد التفكير مرة وأخرى، في ماهية التعليم والثقافة التي ما زالت تكرر عملية إنتاج العقول وطرق التفكير بذات النمط!! ويبدو أن بعض وسائل الإعلام تفاقم المشكلة بمساهمتها في تضليل الوعي، وما نراه اليوم من أفراد فاقدي الولاء لأوطانهم، وآخرين خانعين فكريا تماما لشخصيات أو منظمات أو أحزاب أو طوائف، يقودنا إلى ضرورة محاولة خلق أدوات تنويرية لطرق التفكير السوي، وقشع العبودية الفكرية، والتطرف البغيض في الاتجاهات، والارتقاء بالنفس والعقل عن الكراهية السوداء.