DAMMAM
الخميس
34°C
weather-icon
الجمعة
icon-weather
34°C
السبت
icon-weather
37°C
الأحد
icon-weather
33°C
الاثنين
icon-weather
34°C
الثلاثاء
icon-weather
36°C

التطرف ينتج ضده.. نماذج من التحولات الثقافية والدينية

التطرف ينتج ضده.. نماذج من التحولات الثقافية والدينية

التطرف ينتج ضده.. نماذج من التحولات الثقافية والدينية
تؤكد الدراسات الاسرائيلية أن تل ابيب تعمل سنويا على قراءة مؤشرات المناعة لدولة اسرائيل، وان احد أهم مؤشرات المناعة تلك، هو الدعم والاسناد والنفوذ اليهودي في العالم، وبخاصة في الدول المهمة والرئيسة وتحديدا امريكا وفرنسا والمانيا وروسيا والصين وبريطانيا، ولكن ما يلفت اليه الانتباه، ان هذه الدراسات تشير الى تحولات اجتماعية ثقافية، حيث بدأ الامريكان يضيقون ذرعا بدكتاتورية الحزبين، وأصبح هناك تيار وخط بديل، يتصرف بشكل مختلف عن الاحكامات السياسية التي تسيطر على الحزبين، فكلاهما يرفعان شعار دعم اسرائيل في كل انتخابات رئاسية، وبالامس اعلن ترامب دعمه لنشاطات اسرائيل في توسعة المستوطنات. الجديد، ان في المجتمع النخبوي الامريكي تحولات ايجابية بالنسبة لنا، فهناك صحوة سياسية باتجاه القضية الفلسطينية، وموقف مضاد لاسرائيل في الجامعات الامريكية، ومقاطعة لها، بشكل محرج وغير معهود، وهناك تحول باتجاه العالم الاسلامي والكراهية والاسلاموفوبيا، اسهمت في معرفة الاسلام الحقيقي، وان التنظيمات الارهابية المتطرفة، هي نتاج لصراع المصالح الدولية والاقليمية، وليست تعبيرا عن الاسلام او الشعوب في منطقة الشرق الاوسط، وأي سلسلة من التحليلات والاتهامات تطلق من قبل رمزيات ثقافية وسياسية غربية على شكل اعترافات، رغم التحكم الكبير بوسائل الاعلام، ربما يحول دون بروز صوت هذه الشريحة، لكنها بدأت تفرض نفسها في عالم تعددي من حيث نشر الاخبار والمعلومات والمنابر المختلفة. في دراسة نشرتها صحيفة (ميكورريشون) العبرية، قالت ان استطلاعات قياس الرأي تشير الى ان 60% من الشباب اليهودي في امريكا، بدأ يغير مواقفه ناحية اسرائيل، وهنا علينا ان نفرق ما بين اليهودي والحركة الصهيونية القومية التي اتخذت الدين اداة لتحقيق اهدافها، وان هؤلاء الشباب باتوا يتعاطفون والقضية الفلسطينية، وبخاصة بعد حروب غزة الأخيرة، حيث كانت صور الدمار والموت والقنابل المحرمة دوليا، تدفعهم للبحث عن أصول المشكلة الفلسطينية وجذورها التاريخية، وقد ادى ذلك الى ان يقطع الشباب اليهودي صلاته وعلاقاته باللوبي اليهودي في امريكا، الامر الذي تطلب من اسرائيل اعادة قراءة لحركة التحولات في السياسة الدولية والاقليمية، وايضا لحركة التحولات الثقافية في الدول ذات الاهمية لاسرائيل. تعول اسرائيل كثيرا على تنظيم داعش الارهابي، وعلى ايران، لتعزيز فكرة الصراع الطائفي والديني في المنطقة، لعدة اسباب، فقد اظهرت القراءات الاستراتيجية الاسرائيلية أن ميزان المناعة الاسرائيلي يتفكك، في حالة الاستقرار، وتتراجع القيم الداعمة للدولة، ولذلك تحافظ اسرائيل الدولة (الديمقراطية) على وجود رئيسي لرجال الدين في السياسة الاسرائيلية، ولديهم مساحات عمل داخلية لاتقترب منها الحكومة، والهدف هو انتاج الخطاب الديني المتشدد، والذي يشكل عصب الحماية للدولة اليهودية، كما ان اسرائيل تشعر بالضيق جراء طروحات الدولة ثنائية القومية، لانها تؤمن بأن الدولة اليهودية يهودية خالصة، ولهذا فهي تستفيد من ايران وداعش في صناعة العدو، وفي صناعة الدول الدينية في المنطقة. في استطلاع لمعهد جالوب اجري مؤخرا، تظهر احدى الدراسات أن الملحدين وغير المؤمنين واللادينيين، سيصبحون شريحة صغيرة من سكان العالم، حيث سينخفض وزنهم النسبي إلى 13% من سكان العالم عام 2050 بدلا من 16% وفقا لأرقام 2010، وأن التعليم والصحة يؤثران على الناس بشكل سلبي فيما يتعلق بالدين، وأن الأرقى تعليما والأكثر ثراء أقل تدينا، فحسب الاستطلاع 80 % من أولئك الذين ليس لهم تعليم متدينون، مقابل 60 % من المتعلمين في المدارس الثانوية والأفراد من خريجي الجامعات. وعليه فان أجهزة الاستخبارات العالمية والدراسات الاستشرافية المستقبلية، ترى أن الولايات المتحدة بحاجة ماسة لصيانة أمنها الداخلي عبر مسحة دينية، حيث اقترح مجموعة من العلماء في الدراسات الانثروبولوجية، عقب الانهيار الاقتصادي عام 2008، والفساد المالي والاداري، أن السبب الرئيس في الازمة، هو ان المنظومة القيمية في تراجع، وان امريكا بحاجة الى دين جديد. بروز التيارات اليمينية المتشددة في الغرب عموما وفي امريكا تحديدا (ظاهرة ترامب) ليست وليدة الصدفة، ففي مختلف مراحل التاريخ السياسي الامريكي، كانت امريكا تعيش بين منطق التدخل الخارجي والحروب المستمرة، ومنطق العزلة الداخلية، وفي فترات العزلة، تنتعش التيارات اليمينية المحافظة، لكن عالم اليوم عالم متشابك ومتداخل، وتأثير هذه التيارات له ظروفه واسبابه، وان هذه التيارات بدأت تواجه بكثرة المتعلمين والذين يدركون ابعاد هذه التنظيمات واهدافها. في السبعينيات كانت بيروت منفتحة جدا، وكانت سويسرا العرب، من ثقافة سياسية وفكرية الى حريات وفنون، غير ان الحرب الاهلية، والتي اخذت اشكالا دينية وطائفية، قد قضت على التنوع الثقافي، كان ابرز علاماتها بروز موسى الصدر في الجنوب اللبناني، ليس فقط لبناء مؤسسة التشيع اللبنانية، وانما ايضا لاعادة أدلجة اللبنانيين الشيعة بعدما كانوا من رمزيات التيارات الفكرية واليسارية في لبنان والعالم العربي، ويتزامن ذلك مع مخططات امريكا لمواجهة الشيوعية، من خلال الستار الديني، لكن عندما سقطت الشيوعية، تقاتلت الفصائل الدينية لغياب العدو، وبدأت الحروب الداخلية والطائفية، لسبب وحيد، ان الغرب يعتقد بأن الدين حمال للانفعالات، وان بالامكان توظيفة كأدة تدمير داخلية ايضا، وقد برزت ثورة الخميني ومنهجيته في تصدير الثورة، للهروب من الاستحقاقات الداخلية، والقاعدة ومنهج الصراع مع العدو القريب والبعيد، وداعش في منهجية واستراتيجية التوحش. لا يفل الحديد الا الحديد، والافكار لا يمكن محاربتها الا بالافكار ايضا، وان الافكار العبثية والتدميرية، لفكرة الدولة والمؤسسات، وفكرة التعايش والتسامح، تحتاج الى وقفة فكرية وثقافية تشترك فيها الدول والنخب، لصياغة مقاربات جديدة، لحماية دولنا ومجتمعاتنا وتحصينها من الداخل، وابرز عوامل التحصين تكون بالاعتراف بالمشكلة، وايضا بالحوار الداخلي على اسس واعية وجديدة تضع فكرة الدولة في رأس الاولويات. التوازن في الحياة أمر هام وضروري جدا، ولا يمكن للحياة ان تبنى على محدد واحد، فثمة عوامل كثيرة تدخل في صناعة الحياة، ولا يمكن للمجتمعات ان تعيش حالة من الضمور الفكري والخواء الروحي، لانها ستقرر فجأة التحول، ففي احد استطلاعات مركز جالوب حول مشاركة رجال الدين في السلطة والسياسية، افاد 55% من الايرانيين رفضهم لهذا الدور، بينما في امريكا يعتقد 42% من الامريكان بضرورة افساح دور اكبر لرجال الدين في السلطة، كما ان دراسة تشير الى ان الصوت المدني والوطني في جنوب العراق بدأ في الارتفاع، وبالضد من الاحزاب الدينية، وعليه فان الانسان يبحث دائما عن متممات التوازن لديه. ما زلت اتذكر كلمة لاستاذي في الفكر السياسي الدكتور عامر حسن فياض، «نلتقي في الاطار الديني والتسامح والتعايش والوطنية والانسانية، ونختلف عندما تمتلك فكرة الالغاء والتهميش، فعندما تكون انت مسيحيا متعصبا، لا تتوقع مني ان اكون مسلما متسامحا» فثقافة الكراهية ذات المركزية الغربية، ساهمت الى حد بعيد في صناعة التطرف الديني في المنطقة، اضافة الى فكرة الوجود الاسرائيلي ساهمت في رفع درجات الصراع الديني في المنطقة.