ما أكثر ضجيج هذه الدنيا, الذي يملأ كل أوقاتنا, ليس بالضرورة أن يكون ضجيجا بالصوت والازعاج ولكنه ضجيج يملأ الوقت كله فيشوش على حياتنا.
أصبح الوقت عند «البعض» قليل البركة, وقتا طويلا ومنجزاته قليلة, حياة صاخبة مليئة بالعمل والمتطلبات, أحيانا يبحث البعض عن وقت «في» الوقت ليجد فرصة لعمل شيء مهم وأساس فلا يستطع, فكل شيء مهم وكل شيء من الأولويات، ومهما أمضينا من الوقت الطويل فإنه لا يكفي, ونؤجل الأعمال يوما بعد يوم وفي كل يوم يظهر لنا عمل جديد يجب أن ينجز، وهكذا حتى امتلأت الدنيا ضجيجا.
كثيرة هي الأشياء التي تفتح أبواب البركة, وحين أتحدث عن البركة فأنا أقصد هنا كل البركة, أي بركة الوقت والمال والصحة والعمل وكل شيء.
كثيرة هي المفاتيح لتلك البركة : كالصدقة وصلة الرحم وحسن الخلق وغيرها من الأسباب.
لكن هناك عمل مهم يشمل كل أنواع البركة وهو بر الوالدين, هذا العمل العظيم نتاجه أعظم, فنتاج البر هو طول العمر والدعوة المستجابة - بإذن الله - وهو دين نقوم به لوالدين وسيرده أولادنا, بركة في وقت ومال وجسد وقول وتيسير للحياة كلها.
البعض يعتقد أن البر هو تنفيذ الأوامر والطلبات، وهنا أقول : أخطأت أيها المعتقد, فإن جاءك الأمر والطلب وجب عليك التنفيذ، وإن لم تنفذ فأنت عاق. البر أعظم بكثير من تنفيذ أوامر, فالمنفذون كثر فالسائق منفد، وكذلك الخادمة, لكن هو تلمس وتوقع لحاجة الوالدين والكلام الطيب ولين الجانب والتودد والخضوع والتذلل والاحترام المبالغ جدا ومسابقة رغباتهما وفعل كل ما يحبانه وما سيحبانه وما قد يجبانه.
من رحمة الله - تعالى - ورفقه بنا أن جعل باب البر بابا عظيما وواسعا ولم يحصره في حالة معينة, فالبر وقت الصحة ووقت المرض ووقت القوة ووقت الضعف ووقت المال ووقت الفقر حتى وقت الحياة وعند الممات بالمال والقول والعمل والدعاء وكل شيء, فهو باب لا ينقطع أبدا أبدا ولا يوجد من لا يقدر عليه أبدا ومع ذلك ومع كل هذه السهولة إلا أن هناك مضيعين لهذا الباب العظيم والأجر الكبير.
شاهدت بنفسي أناسا قولهم جاف مع والديهم وكلامهم فيه عتب وملامة وكأنهم يتحدثون إلى زميل أو صديق ولم يعلموا أنهم مع من أمرهم الله - تعالى - أمرا بالإحسان إليهم فهل هم مؤتمرون أم عاصون ؟
وشاهدت من ينحني ويخضع لهما ويتمنى أن يقبّل أقدامهما ويبذل ما نتخيّل وما لا نتخيّل ومهما عملنا من أجلهما نبقى مقصرين ولا ندرك شعرةً من فضلهم علينا.
لم أجد في حياتي سببا يجعل الدنيا تمتلئ فرحا وبهجة بعد رضا الله إلا وكان أوله بر الوالدين وهو أيضا يرضي الله.
هناك أناس يفكرون ألف مرة كيف يفعلون شيئا جديدا للبر وليس شيئا معتادا كالسلام وقبلة على الرأس, لا يغركم رضا الوالدين فقط فرحمتهما وعطفهما يجعلهما راضيين حتى على العاق وهذه نعمة من الله لكنها دين عليه سيرده له أولاده.
مهما كتبت وسطرت من كلام لن أوفي هذا البر حقه, فالله - سبحانه وتعالى - ذكره في كتابه العزيز, ورسوله (عليه الصلاة والسلام) شدد عليه في سنته, وهنا سأستنبط منهما عبارة واحدة لتعلم نفسي المقصّرة وإياكم أن البر هو باب كُتب عليه «أنا الجنة» جعلني الله وإياكم من البارّين.