DAMMAM
الخميس
34°C
weather-icon
الجمعة
icon-weather
34°C
السبت
icon-weather
37°C
الأحد
icon-weather
33°C
الاثنين
icon-weather
34°C
الثلاثاء
icon-weather
36°C

وصايا الأموات

وصايا الأموات

وصايا الأموات
كلما توفي رجل أعمال تسابق بعض القوم لرثائه في مقالات أو قصائد، وراحوا يكيلون له من المدح ما استطاعوا بما فيه من الصفات، أو بما لم يتصف به في حياته! ولكن الحال يفرض عليهم ذلك فهذا الثري أو ذاك له أبناء، وله وصية أوصى بها لأعمال الخير. وابتداء من يوم العزاء الأول يتسابق أولئك الذين كسبوا ثقة الناس بمظهرهم لا بمخبرهم؛ لينالوا ثقة الأبناء فلعل وعسى أن ينوبهم من الشركة نائب قد يكون في أجر القائمين على زكاة أموال الورثة أو الصدقات عن الميت، فهم يدعون أنهم خير من ينفذ قوله تعالى (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل)، ولكننا لم نر أحداً من أولئك أشار على ورثة مرحوم ما أن يبدأوا بتتبع مستحقي الصدقات في كلام رب العالمين كما حددها في الآية التي رتبت مستحقيها وفقاً لحاجتهم من العام للخاص ومن الأهم فالمهم. الفقراء والمساكين أولاً ومن ثم المؤلفة قلوبهم والرقاب… إلا أن الورثة وبإيعاز من (العاملين عليها) يقومون ببناء المساجد أو مدارس تحفيظ القرآن.. حتى ضاقت الأحياء بالمساجد ولم تعد تجد من يصلي فيها، فبالكاد يكتمل صف واحد أو نصفه!! كتبت أكثر من مرة عن هذا الموضوع كان آخرها عندما شرعت عائلة ما في بناء مساجد باسم والدهم المتوفى في حينا ليكون هو المسجد الثالث في مساحة لا تتجاوز ٢٠٠٠م أما المدارس فالحكومة تقوم عليها وتخصص لها مباني خاصة. ولا أدري ما الهدف من كل هذا، أهو الاحتفاظ للمتوفى بالحياة من خلال إحياء اسمه؟ حين يكتب على باب المسجد مسجد فلان بن فلان، أو مدرسة فلان بن فلان، أم أنهم يعتقدون بأنهم قد حققوا لميتهم ما يعجز عنه غيرهم؟ ولكن كيف؟ ألا يقرأون الآية السابقة؟ ألا يستحون من دفع حق عشرات من جالونات الزيوت وأكياس الرز والسكر لأشخاص يعيشون الهم كل يوم؛ لأنهم يعيشون في بيوت مستأجرة ويخافون حين يطرق عليهم الباب من يطلب منهم دفع الإيجار كل ستة أشهر وهم ربما ما استطاعوا أن يوفروها من مكاسبهم القليلة. وما أن يدفعوا النصف الأول من إيجار العام حتى يبدأ هم النصف الثاني يقض مضاجعهم؟. هل فكروا بالشباب الذين يتزوجون زواجاً جماعياً ليوفروا من مصاريف الزفاف فكيف بمصاريف السكن؟! هل فكر أحدهم أن يشتري شققاً يملكها لعدد منهم؟ هل تكفل أحدهم بالمرور في الأحياء الفقيرة ليرى من الأحق بتأمين السكن له؟ أم أن (العاملين عليها) لا يستطيعون دخول تلك الأحياء الفقيرة بسياراتهم الفارهة؛ لذا يوصونهم بالبعد عن ذلك حين يوحون لهم بأن تلك البيوت قد تدخلها المنكرات كالدش مثلاً؛ أو أن بعض سكانها لا يصلون في المسجد، أو أن نساء تلك الأسر متبرجات أو موظفات في محلات مختلطة؟! ترى لماذا يبتعد أولئك عن باب واسع للخير هو بينهم وبين الله وحده وليس بينهم وبين الناس ليمنع عنهم الخير بحجج واهية. في الوقت الذي لا يفرطون فيه بحقهم من العمل عليها مع أنها ليست مصدر الدخل الوحيد لهم فبعضهم لهم مناصب ووظائف حساسة في الدولة ومع ذلك يتسابقون ليحظوا بها كمصدر آخر للدخل وهو مصدر يجعلهم من الأثرياء بدون رواتبهم التي يقبضونها من الدولة لأنهم لا يرغبون بالتخلي عنها حرصاً على ما تمنحه تلك الوظيفة من وجاهة اجتماعية يتمسكون بها بكل قوة فهي التي تمنحهم هذه الحظوة عند الأثرياء وورثتهم. وهذا حقيقة نعيشها فلو تقدم شاب متخصص في الهندسة أو الأدب الإنجليزي أو علم الاجتماع للقيام بتوجيه أحدهم لأعمال خيرية برامج خدمات اجتماعية متنوعة فهل سيقبل بمشورته أم أنه سيرفضه ويتبع صاحب التخصص الشرعي بالشهادة الرسمية أو بالهيئة الخارجية؟ مع أن الأعمال كلها لها الأجر نفسه عند رب العباد (مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم)، والسؤال الأهم: لماذا يؤجل الناس تنفيذ أمر الإنفاق بعد موته؟ لماذا لا تبنى المساجد ولا تعمر المدارس إلا بعد الموت؟! (يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم)، (يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم) هذا الإنفاق يعني الإنفاق أولاً بأول ولا يعني التأجيل أو أن يعمل المرء على تبذير المال في حياته على الشعراء المرتزقة وأصدقاء الوجاهة ويؤجل أعمال الخير لبعد الممات. إن للإنفاق وجوها متعددة لا تحصى ولا تعد منها الدائم كصدقة جارية ومنها المنقطع في الأعمال المؤقتة. ولكن يبقى السؤال حائراً ينتظر الإجابة متى يتغير هذا التفكير الأناني الذي يطبق في إدارة أموال أعمال الخير؟