منذ نشر مقال "المغلف الأصفر" السبت الماضي وحتى كتابة هذا المقال يوم أمس، لم تتوقف التعليقات عليه أو إعادة نشره في "تويتر" و"واتس اب". ولا مبرر لكل هذا الاحتفاء الذي فاق توقعاتي سوى ارتفاع الحس الوطني لدى كل من قرأ المقال وصفق لما جاء فيه من حقائق رغم اختلاف التفسيرات؛ فبعضهم ربطه فقط بتغريب المرأة، وبعضهم ربطه بالدين ومحاولات الإساءة له، وهناك من رآه من زاوية التدخل السافر في الشؤون الداخلية للوطن بلا وجه حق. والحقيقة أن الأمر يشمل هذا كله معاً؛ لأن من يسعون لهذا لن يحققوه إلا من خلال استغلال كل ثغرة ينفذون منها لهدفهم الأهم وهو الإساة للوطن؛ دينه وأرضه وإنسانه، قبل أن تمتد يدهم إليه، لا مكنها الله. وهو أمر يخطط له منذ سنوات من خلال برامج متعددة مثل برنامج "الزائر الدولي". وذلك الهدف يثمر مع بعضهم ولا يثمر مع الأغلبية من الذين يلتحقون بتلك البرامج، فليس كل من يتلقى دعوتهم أو يلتحق بهم سيتحول إلى خائن أو عميل وهم بالتأكيد لا يتوقعون ذلك ولكنهم إذا ظفروا بواحد من عشرة فهذا بحد ذاته كفيل بتحقيق بعض مبتغياتهم. وتتعدد الصور وتختلف الأساليب ولكن الهدف واحد وهو النيل من هذه الأرض ومن قادتها ومن سياستها الداخلية بكل تفاصيلها، وهم يدعون في ذلك كله حرصهم علينا أو على الإنسان بشكل عام، وهذا يتناقض تماماً مع ما يراه الجميع من جرائر سياستهم الجرائمية في أماكن أخرى من العالم.
بعد المقال وصلتني حكايات أخرى عن المحاولات المستمرة للنفاذ إلينا بنا ووجهت بالرفض أو تركت مفتوحة أمام بعضهم. ومن إحدى الروايات أن طالبات السنة التحضيرية في إحدى جامعاتنا استقبلن زائرة تحدثهن عن الموضوع الذي أعياهن والذي اعتبر واحداً من الثغرات التي يتسللون منها وهو "المرأة"، همومها حقوقها ودورها في التمرد والمقاومة والمطالبة بالحقوق. ولكم أن تتصوروا الأثر الذي سيتركه مثل هذا اللقاء المدبر بسرية كما تقول طالبة؛ فهو سيتركهن محرضَات وحائرات جئن من بيئات مختلفة تتفاوت في القدرات والوعي والامكانيات، فكيف سيكون أثر تلك المحرِضة عليهن بعد أن تركت لهن بريدها الإلكتروني على السبورة ورحبت باستقبال أي رسالة.
إنهم بالتأكيد لا يجبرون أحداً على شيء لأنهم يوهمون الضحايا بأنهم أحرار وبأن القرار لهم، وهذا عنصر هام في اصطياد الفريسة حتى تشعر بأنها حرة. إن تلك البرامج لا توجه للنساء فقط بل هي للجنسين معاً وهي تنطلق استناداً إلى ثلاثة جوانب، الأول يعتمد فيه على التوجيه غير المباشر تجاه فكر معين ومن خلاله يقيسون درجة انبهار ذلك الشخص بهم؛ أفكارهم حريتهم توجهاتهم. والثاني: يتعلق بما يمكن أن يقدم له من دورات ذات وجبات دسمة من المعلومات والفوائد التي تتصل بطبيعة عمله أو اهتمامه فقد تكون في الشؤون الاجتماعية أو الاقتصادية أو الإعلامية أو غيرها... ولا يخلو الأمر من مقارنات بين ما لديهم وما يعايشه في بلاده لتبدأ درجة المقارنة ترتفع لصالحهم وهنا يصبح الأمر بيد المتلقي، فإما أن يستفيد ويفيد وطنه أو تصبح مكتسباته منهم فتيلاً يشعله ضده، وبدلاً من توظيف قدراته لخدمة بلاده كما هو الحال مع المبتعثين مثلاً يبدأ الآخر في إعلان رفضه وثورته بالطريقة التي ترسم له من حيث يدري ولا يدري. وإذا نظرنا إلى النتائج التي رأينا كيف مارست أعمالها الموجهة سنرى أن شباك تصيدهم لا يلقونها على من ينضم لبرامجهم بل على كل من يلمحون فيه ملامح التمرد ضد الثوابت الدينية أو الأعراف والتقاليد. والجانب الثالث: مرتبط باستخدام أولئك كورقة للدعاية والإعلان لصالحهم حيث تصور أمريكا على أنها بلد السلام والمستقبل والحرية ليس على أرضها فحسب بل في العالم كله! وكأننا لا نعرف معدلات الجريمة في أرضها، ولا نعرف الحقوق المهدرة لكثير من أبنائها قبل الوافدين إليها، أو كأننا لا نعرف كميات الدماء التي اصطبغت بها الكرة الأرضية بفعلها أو تخطيطها أو أسلحتها!!
إنها البلد الأكثر انتهازية والأكثر استخداماً للحلقات الأضعف في كل بقعة تطمع بها على وجه الأرض فتبدأ تنخر فيها كالسوس. وليس أدل على ذلك من أن بعض من انقادوا لها من أبنائنا لا يتابعون ولا يعرفون ما الذي يحدث في بلادهم أو من الذين حملوا ملفات المرأة وحقوقها، أو العمل وقضاياه داخل البلاد بلا ارتماء في أحضان دول خارجية. هل سمعت لجين وأخواتها وإخوانها بالدكتورة سهيلة العابدين؟ هل تابعوا الصحف وقرأوا ماذا يكتب بها عن قضايانا الداخلية قبل أن يدعوا بأن حكومتنا تكمم الأفواه لأنهم مشغولون بما يريدون قوله أو بما أعد له قوله. أضحكني كلام إحداهن في لقاء مع قناة أجنبية وهي تتحدث عن التغيير الذي تنشده؛ فهي تتحدث عن عمل المرأة بطريقة تظهر أن المرأة لا تعمل في بلادنا نهائياً. وأبكاني فيما قرأته من كتاباتها أنها لا تعرف شكل أو حقيقة علاقتها بخالقها فكانت وقحة أكثر من أي كافر أو ملحد ومن لا يتأدب مع الله كيف سيتأدب مع خلقه أو أرضه؟ ومن هنا لا داعي أن نعجب من صناعة أفلام يشارك فيها بعض أبناء الوطن وهي تصف بلادهم بالأكثر دموية ودكتاتورية!! وهذا ما يجعلني أرى الصورة الكاذبة لأمريكا الناعمة التي تفرش أراضي العالم بالحرير والورد وتسعى لتحقيق الرخاء. أمريكا التي لا تنتهك حريات الأفراد فما بالك بالدول!! أمريكا التي لا تفرض سلطويتها على العالم!! أما زال هناك من يصدق هذه الأكاذيب؟ لا أظن ذلك فقد صارت الوجوه السياسية الأمريكية المتناقضة لا تخفى على أحد. ولكن الأهم منها أن بلادنا تدفع شراً مستطيرا، الإرهاب من جانب، والحلقات الأضعف بيننا من جانب آخر ولكل من هذا وذاك خطوات تمهيدية هي ما يجب أن نحذر منه بدءاً من بيوتنا.