DAMMAM
الخميس
34°C
weather-icon
الجمعة
icon-weather
34°C
السبت
icon-weather
37°C
الأحد
icon-weather
33°C
الاثنين
icon-weather
34°C
الثلاثاء
icon-weather
36°C

الذاكرة القوية

الذاكرة القوية

الذاكرة القوية
الحديث عن الذات أمرٌ شاق، ويحتاج إلى وقتٍ طويل بمجرَّد الحديث، فضلاً عن الكتابة أو الشعر أو الرسم، أو تجسيد هذه الذات بأي طريقة فنّية أو إبداعية كانت. الذاكرة القوية التي ترصد المواقف الكثيرة تُنهك صاحبها كثيراً في عملية التفريغ. فبين ما يوغر الصدر وما يُثلجه، يعيش الإنسان ما بين مدّ وجزر، وحلّ وترحال في أعماقه. هناك أشياء ثمينة، قابعة في صندوق الذاكرة، تحتاج لإزاحة الغبار عنها والظهور للملأ ببريق كي يَحتَفوا بها، ويُتحَفوا أيضاً. وقد يكون هذا الظهور إما مقروءاً أو مسموعاً أو مكتوباً أو مرسوماً أو مرئياً. ليس مهماً كيف يُولَد، بل الأهم ولادته بأي طريقة إبداعية كانت حتى لا يندثر. كثير من الكتب العالمية التي حققت نجاحاً ساحقاً على الصعيد الشعبي هي في أصلها حزمة تجارب أو خبرات أو قصص نجاح أبهرت الناس فتلقفوها بشغف، لأنهم وجدوا أنفسهم بها، ووجدوها تمثّلهم وتحكي عنهم. شعروا بأنهم أبطال تلك القصص المدويّة، فمثّلوها بنجاح لأنها مثَّلتهم بإتقان. نجاح هذه النوعية من الكتب يبعث برسالة ضمنية قيَّمة مفادها أن تجاربنا المُهمَلة قد تكون ذات قيمة عالية لمن يتلقاها من الغير. تجاربنا التي لا نمحنها أي قيمة قد تكون مفاتيح نجاحات ساحقة لبعضهم. أنا على يقين بأن كل فردٍ منّا يمتلك ترسانةً من المواقف والذكريات والتجارب الجديرة بالإظهار للناس، لكن يبقى العائق الحقيقي في ماهية وكيفية الإظهار! مَن لم يجد في نفسه الموهبة، أو لم يفتّش عنها في أعماقه كي يكتشفها، فسوف يسافر معه هذا الشعور بالإحباط طويلاً، وأعني بذلك إحباط عدم القدرة على إفشاء الجمال الداخلي القاطن في غَوره لعدم وجود الوسيلة الإبداعية لإفشائه. فالتشكيلي يرسم نفسه في لوحاته، والكاتب يجسّد نفسه في كتاباته، والشاعر يصوّر نفسه في قصائده. لا يوجد شخص غير موهوب، لكن يوجد شخص لم يكتشف أنه موهوب، أو لم يسعَ لاكتشاف ذلك، وبهذا يكون قد أضاع فرصةً ثمينةً قد تبهجه وتجلب له الحبور طيلة حياته، وقد تمطره بالمال والشهرة والمجد. يُخالُ لي أنَّ البحث عن الموهبة الذاتية هو بحث عن الحياة، فالموهبة لصاحبها بمنزلة الأكل عند الجائع. فمن يعيش بلا موهبة يتضوّر جوع الإبداع لديه، ويتعطَّش للذَّته، حياته نمطية، رتيبة، لا تحمل إثارةً ولا تَوقاً. لا يجد مَن يقول له: ما آخر إبداعاتك؟ ما جديدك؟ أين أنت يا مبدع؟ إنها مفردات رنّانة، ولها وقعٌ كبير في نفس متلقيها، وأثرٌ عظيم لا يبرحه أبداً.