DAMMAM
الخميس
34°C
weather-icon
الجمعة
icon-weather
34°C
السبت
icon-weather
37°C
الأحد
icon-weather
33°C
الاثنين
icon-weather
34°C
الثلاثاء
icon-weather
36°C

ما كتب «هولوهان» عن الحميمية.. ومهرجان أفلام السعودية

ما كتب «هولوهان» عن الحميمية.. ومهرجان أفلام السعودية

ما كتب «هولوهان» عن الحميمية.. ومهرجان أفلام السعودية
لست أبالغ إن قلت إن ما كتبه هولوهان عن واقع الأفلام القصيرة وصناعها في أمريكا واوربا، ينطبق إلى حد بعيد على ما حدث في مهرجان أفلام السعودية في الدمام لا أستطيع بعد الليال الثلاث التي أدركتها من ليالي مهرجان أفلام السعودية الثاني أن أزج برأي يمكن أن يدخل في علاقة تناقض وتناطح مع المجادلة التنظيرية التي يطرحها كون هولوهان في مقالته القصيرة "جماليات الحميمية"، المنشورة في العدد الأول من مجلة (دراسات الفيلم القصير، 2011). كان مستحيلاً بالنسبة لي ألاّ أتذكر هولوهان وأنا ألمس وأشم وأتنفس الحميمية التي كانت تتخلل الهواء في جمعية الثقافة والفنون بالدمام؛ وتطفو في فضاء المكان موجات رقيقة من الدفء تخفف برودة الطقس. كان المكان دافئاً رغم البرودة القارسة، بمشاعر الحب والصداقة والزمالة وبالبهجة، وبحضور أحمد الملا وزملائه الذين جعلوا بجهودهم المهرجان حقيقة وأمراً واقعاً رغم كل الصعوبات. كانوا بوجودهم وبتنقلاتهم وسط الجموع الكبيرة من الأحبة يضخون في الهواء المزيد من الحميمية والدفء، ويوزعون على الجميع ابتساماتهم الجميلة وعبارات الترحيب الصادقة النابعة من القلب. كان المكان صاخباً ومفعماً بالحميمية. ولهذا كان لا بد لي من استحضار هولوهان من الغياب وما جادل به عن ارتباط الفيلم القصير بالحميمية جمالياً وإنتاجاً وعرضاً واستقبالاً (تلقياً). يقول هولوهان عن العرض أو أمكنة عرض الأفلام القصيرة ما معناه: إن الأرض تكاد بما رحبت تضيق بالأفلام القصيرة وصُنّاعها، فهي تسجل غياباً دائماً في جداول السينما التجارية الترفيهية والتلفزيون. وحتى فيما يتصل بتمويل الأفلام القصيرة في غالبية الدول الأوروبية، بحسب قوله، تؤكد النظرة السائدة أن الأفلام القصيرة مجرد فرص للتدريب، سيتركها المتدربون وراء ظهورهم في نهاية المطاف متجهين إلى العالم الناضج للفيلم الطويل. من نتائج هذه النظرة، ومن نتائج انغلاق أبواب دور السينما المبنية لعرض الفيلم بنموذجه الهوليودي بأنواعه المختلفة في وجوه صُنّاع الأفلام القصيرة أن أصبحت المهرجانات الملاذ الوحيد لهم ولأفلامهم ولزملائهم أعضاء فرق الإنتاج ومحبي الفيلم القصير المخلصين. خلال هذه المهرجانات لا تكون الحميمية هي الصفة والطابع المميز للعلاقة بين صُناع الفيلم القصير ومشاهديه فسحب، بل تمتد الى عملية استقبال وتلقي الأفلام المعروضة. لست أبالغ إن قلت إن ما كتبه هولوهان عن واقع الأفلام القصيرة وصناعها في أمريكا واوربا، ينطبق إلى حد بعيد على ما حدث في مهرجان أفلام السعودية في الدمام؛ فلقد كان المهرجان بالفعل الملاذ الذي تحقق بعد الجهود الكبيرة التي بذلها "عرّاب السينما المحلية" أحمد الملا ورفاقه المتفانون، وكانت جمعية الثقافة المأوى الذي فتح قلبه وذراعيه لصناع الأفلام الذين جاؤوا من كل حدب وصوب من البلاد، أو أرسلوا أفلامهم من الخارج. ومن تلك الحميمية تشكل نسيج التفاعل والتواصل بين ضيوف الجمعية كباراً وصغاراً، وبين ما عرض في مسرحها لتتأسس علاقة مباشرة تختلف عن العلاقة التي تنشأ بين المشاهدين وأفلام السينما التجارية كما يقول هولوهان. إن الحميمية التي تمثل الملمح المميز لصيغة التعبير في الفيلم القصير ولعملية تلقيه، بحسب تنظير هولوهان، يشترك في تأسيسها حدوده البنيوية، والسياقات التي يتحرك ويدور داخلها؛ فالنتيجة الأخرى للنظرة التي تحيل الفيلم القصير الى هامش الانتاج السينمائي باعتباره فرصة للتدرب هي افتراض التماهي القوي بين الفيلم وصانعه، حيث يقوم الفيلم بوظيفة العنوان أو الإعلان لموهبته، ويُعَدُّ (الفيلم القصير) تعبيراً مباشراً عن نوايا مؤلفه/مخرجه وحساسيته الفنية. فعلى النقيض من المخرج الهوليودي المقيد بالمتطلبات الجينيرية لأي نوع من افلام السينما السائدة، والمكبل بالحسابات التجارية، يتمتع مخرج/مؤلف الفيلم القصير بالحرية والانعتاق من قيود المواضعات والاشتراطات والخصائص الجمالية للفيلم السردي الطويل بنموذجه الهوليوودي بالتالي تفضي حرية المخرج الى النزوع لقراءة وتلقي إنتاجه كاتصال مباشر بينه وبين المشاهدين المخلصين، إذ إن الضوابط الشكلية وصيغة الخطاب في الفيلم القصير كما يجادل هولوهان، تؤسس جمالية الحميمية التي تجعل المشاهد يتفاعل مع المخرج كحضور نشط داخل الثغرات والغيابات في النص. لا أستطيع القول: إن كل المخرجين الذين شاركوا في المهرجان كانوا متحررين من تأثير الفيلم الهوليودي؛ لكن أستطيع الجزم بأنهم تعاملوا مع مادة افلامهم بجدية وشغف وحميمية. شكرا لهم ولهن، ولأحمد الملا ورفاقة وعلى رأسهم العامل الهندي "دولار" الذي أسهمت سخونة الشاي والقهوة اللذين واظب على اعدادهما في بث بعض الدفء في ليالي المهرجان!. ** كون هولوهان محاضر في الفيلم، والمدير المساعد للبحث والتطوير في مدرسة هيوستن للفيلم والإعلام الديجيتالي. مؤلف (سينما على الهامش: السينما الاسبانية والإيرلندية المعاصرة)