المشهد الليبي يتطور بشكل دراماتيكي، ويشهد استقطابا حادا على خلفية عملية «كرامة ليبيا» العسكرية، التي أعلنها اللواء ركن متقاعد خليفة حفتر ضد الكتائب الإسلامية المسلحة. ومحاولة قراءة المشهد وفهمه يتطلب إدراكا لواقع الخلاف في الرؤى والمواقف لدى مختلف أطياف ومكونات القوى السياسية، حول الملف الأمني والموقف من الحرب على الإرهاب، إلا أني سوف أحاول أن استقرئ شيئا من خارطة الصراع الدائر منذ عملية «كرامة ليبيا» العسكرية.هذا الاستقراء لم يكن إلا محاولة -كما ذكرت-؛ لفهم شيء من خارطة الصراع، وإلا فإن المشهد أصعب وأكثر تعقيدا، ويتطلب لفهمة إداركا حقيقيا لواقع الصراع، وفهم خلفياته وتقسيماته الأفقية والرأسيةوتظهر العملية أن الصراع يدور بين ثلاثة أجنحة رئيسية، القوى الموالية لحفتر، والمليشيات الإسلامية المتطرفة، والقوات الحكومية. ويمكن تفصيلها كالتالي:
أولا: القوى الموالية لعملية كرامة ليبيا
1- الآلاف من عناصر النخبة بالجيش السابق في عهد القذافي والذين همشوا واضطهدوا، وذلك بتقديم مليشيات الثوار السابقين رغم انضمامهم المبكر لصفوف الثورة. وكشف مصدر عسكري مقرب من اللواء حفتر أن عدد الضباط الذين انضموا إلى عملية « ليبيا الكرامة» يتوزعون كالآتي : 5 برتبة لواء – 8 عمداء – 59 عقيدا – 25 مقدما ورائدا، وتحفظ المصدر عن ذكر عدد الأفراد في سياق التكتم والسرية والذين يقدرون بالآلاف.
2- «قوات الصاعقة» التي يقودها العقيد ونيس بوخماده، وهي قوات الجيش الشرعية المتبقية من الجيش الرسمي. وفي 20 مايو أعلن العقيد ونيس بوخمادة، أن قوات "الصاعقة" هي مع "إرادة الشعب ومعركة الكرامة التي يقوم بها الجيش الوطني ضد الإرهاب" في موقف مؤيد للواء خليفة حفتر.
3- لواء القعقاع وكتيبة الصواعق ولواء الشهيد محمد المدني، المحسوبون على مدينة الزنتان الواقعة جنوب غرب طرابلس (وهي قوات قبلية)، حيث تشير كل التقارير إلى أنها هي التي هاجمت مقر المؤتمر الوطني (البرلمان)، وذلك بسبب ما وصفه مساندته للمتطرفين.
4- كتيبة "حسن الجويفي" وتقع في نطاق مدينتي شحات والبيضاء، وتحظى بشهرة عند الليبيين، وتعرف أيضا باسم كتيبة «الجارح» نسبة للعميد الجارح فركاش، عم السيدة صفية فركاش، حرم القذافي وهي أكبر كتائب الجيش الليبي في الشرق، وكتيبة أولياء الدم، وتضم ابناء الذين قتلوا على يد المليشيات الإسلامية المتطرفة.
5- القبائل الكبرى في الشرق الليبي، مثل: قبائل العبيدات، والبراعصة، والعواقير، والعرفة، أما في الغرب الليبي، فقد أيد معركة الكرامة كل من قبائل ورفلة، والمقارحة، والقذاذفة، وأولاد سليمان والحسون.
6- الجناح المسلح للتيار الفيدرالي في برقة، الذين يحاصرون مرافئ نفطية، ويطالبون بحكم ذاتي في مناطق شرق ليبيا، تأييدهم لمعركة الكرامة وانضمامهم إلى قوات حفتر.
ثانيا: المليشيات الإسلامية المتطرفة بشقيها الجهادي والاخواني
1- أنصار الشريعة: هي ميليشيا إسلام سياسي مسلحة، تهدف كما تدعي إلى "تحكيم الشريعة الإسلامية في ليبيا". تأسست في شهر مايو من عام 2012 بعد نهاية الثوره الليبية بشهور. أعضاء الميليشيا ليسوا جميعاً من الليبيين، حيث إن بينهم أجانب من بلدان مجاورة، وخاصة من حملة الجنسية التونسية. يشتبه بتورطها في عدد من الهجمات وعمليات الاغتيال في ليبيا، ومن بينها الهجوم على البعثة الديبلوماسية الأمريكية في بنغازي، وقتل السفير وثلاثة أعضاء آخرين في البعثة. وكما اتهمت ايضا الحكومة الليبية لأول مرة تنظيم أنصار الشريعة بالاعتداء على مديرية أمن بنغازي يوم الجمعه 2 مايو 2014. وقد صنفت الولايات المتحدة أنصار الشريعة في 10 يناير 2014 بفرعيها في درنة وبنغازي كمنظمة إرهابية.
2- كتيبة شهداء 17 فبراير: هي ميليشيا موجودة في مدينة بنغازي، ليبيا. ومعروفة بقربها لجماعة الاخوان المسلمين الليبية، وتتخذ من أحد معسكرات الجيش الليبي مقراً لها في منطقة قاريونس في المدينة. تأسست بعد ثورة 17 فبراير 2011. تعد أكبر الميليشيات الإسلامية العسكرية تجهيزاً في شرق ليبيا. تتألف من 12 سرية على الأقل. ويُقدَّر عدد أفرادها بنحو 1500 إلى 3500. نفذت العديد من (المهام الأمنية) في شرق ليبيا ومنطقة الكفرة في الجنوب. تسببت عدة حوادث واشتباكات وقعت أمام مقرها، ما أدى بالحكومة الليبية المؤقتة في 10 مايو 2014 لاعلان اخلاء مقرها في بنغازي، في فترة أقصاها 3 أيام، وهو ما رفضته الميليشيا ولم تلتزم به.
3- كتيبة راف الله السحاتي: هي ميليشيا مسلحة في ليبيا، تأسست بعد ثورة 17 فبراير. يقودها كل من إسماعيل الصلابي ومحمد الغرابي. بدأت تلك المجموعة كجماعة منظمة في "كتيبة شهداء 17 فبراير" المقربة من جماعة الاخوان المسلمين، قبل أن يتم توسيع نطاقها لتصبح مجموعة قائمة بذاتها. يقدر تعداد أفرادها بألف فرد، حيث تتواجد في شرقي ليبيا وفي الكفرة.
4- جيش الشورى الإسلامي وجيش تحكيم الدين وهي مليشيات مرتبطة بتنظيم القاعدة، ومقرها في درنة، تعلن أنها لن تخضع لسيطرة الدولة الليبية التي تصفها بالكافرة.
ثالثا: القوات الحكومية:
1- قوات الشرطة التابعة لمديرية أمن بنغازي، وتشكيلاتها المختلفة من قوات الأمن المركزي وقوات الإسناد الأمني.
2- قوات "الغرفة الأمنية المشتركة" التي تضم عناصر من الثوار والجيش والشرطة والتي يقدر تعدادها بـ 6 الآف عنصر.
وكلتا القوتان بسبب الولاءات الرخوة بين عناصر الأجهزة الأمنية الرسمية، وكذلك الصراعات السياسية الحادة التي يعاني منها كل من الحكومة الليبية المؤقتة أو المؤتمر الوطني العام، جعل القوات الحكومية شبه مشلولة، إن لم نقل أنها شلت بالفعل في مواجهة الوضع الأمني المضطرب في بنغازي.
وتجدر الإشارة إلى أن هذا الاستقراء لم يكن إلا محاولة -كما ذكرت-؛ لفهم شيء من خارطة الصراع، وإلا فإن المشهد أصعب وأكثر تعقيدا، ويتطلب لفهمة إداركا حقيقيا لواقع الصراع، وفهم خلفياته وتقسيماته الأفقية والرأسية، وفهم نمط التحالفات العسكرية - الاجتماعية.