وضع فرويد بين يدي الشعراء نبعا أسطوريا صافيا لمفهوم التجاوز الذي عبر بقتل الأب عند تفسيره لمأساة (أوديب ماسكا) واكتشافه لما سماه (عقدة أوديب) التي يعرفونها بأنها ((مجموعة من الأفكار والتصورات اللاشعورية المثقلة) بشحنة وجدانية متناقضة في مضمونها الانفعالي تجاه الأب إذ تشتمل على شعوري الحب والكراهية المتزامنين)).
تذكرت هذا وأنا أقرأ إصدار الشاعر الشاب يحيى العبداللطيف تحت عنوان (جاسم الصحيح بين الشاعر والأسطورة) بمقدمة للأديب الفاضل الشيخ يحيى الراضي.. وحين وصلت بالقراءة إلى قول الشاعر الجميل جاسم الصحيح:
ماذا أكون أنا إذ ولدت هنا
في الأرض قبل ولادتي آرائي
أنا في الحياة وليد ذاتي فكرة
بكرا وآرائي هم أبنائي
عار على مثلي إذا هو لم يكن
في نهجه طفلا بلا آباء.
الأب هنا في شعر الصحيح يتعدى مسألة النسب إلى المجتمع نفسه، فأنت هنا أمام تجاوز يعيد إلى الذاكرة تجاوز (حي بن يقظان).
والملفت أن نرى هذا الإحساس عند شاعر شاب هو عبدالله الهميلي حين يقول:
أدق نواقيس الشكوك بعالم
ينام بأوهام اليقين المعربد
فنصفي صوفي تنسك بالهوى
ونصفي صعلوك يقود تمردي
أنا والدي لا شيء غير أبوتي
لنفسي أنميها إليَّ وأرتدي
نجد هنا بالإضافة إلى التجاوز النسبي الشعور الحارق بالمسئولية الاجتماعية، فهو لا يريد التجاوز لنفسه وحسب بل يريدها للمجتمع بكامله هذا المجتمع المخدر باليقين المعربد وبالإضافة كذلك إلى استدعاء التاريخ فهو ليس بدعة بل هو وارث حركة ذات التزام انساني هي حركة الصعاليك والحركة الصوفية ذات الأبعاد الوجدانية الواسعة.
أهداني الشباب سحابة من الإصدارات لعلي أجد في الأيام القادمة متسعا لقراءتها قراءة خاصة والتنويه بما فيها من تجاوز.
أعيد هنا ما قاله محمود درويش:
(أنت تعرف أمك أما أبوك فأنت).