كثيرون منا يصنفون تحت مسمى "مديون" وذلك بعد اقتراضهم مبالغ كبيرة تسدد لاحقاً، وقرار الاستدانة يختلف الإقدام عليه من شخص لآخر بناء على معادلة نفسية تكمن فيها معطيات "القدرة على الصبر والعجلة" على يمين المعادلة، وتتواجد معطيات "الشعور بالسعادة والرضا" على يسار المعادلة، فالبعض يبتعد عن "الاقتراض" لأنه يفضل الاستغناء أو تأجيل ما يريد على أن يقع في شراك الدين، فقدرته على الصبر عما يريد أقوى من قدرته على الصبر على الدين، والذين يقدمون على "الاقتراض" قدرتهم النفسية للصبر على الدين أعلى من قدرتهم على تأجيل أو ترك ما يريدون، فالشعور بالسعادة إذا تفوق في جهة ترك الدَين أبعد الإنسان عما يريده وشعر بالرضا عن قراره، وإذا كان شعوره بالسعادة تفوق في تحصيل ما يريد أقدم على الاقتراض ولا يحس بالندم للاستدانة.
سأتحدث هنا مبتعداً عن القروض "التجارية" التي تحددها طبيعة كل مشروع، وسأركز على مسيرتنا الحياتية التي تمر بكل الناس، فمصاريف (الزواج - السيارة - السكن) هي المصاريف الكبرى التي تعتبر المحطات الأهم في مسيرة الأسرة المالية، والنجاح أن نتجاوز هذه المحطات المالية دون أن نفقد السعادة، وباعتقادي أن تقسيم عمر الإنسان مالياً سيسهل من التعامل مع هذه الأمور ويخفف من الضغوط، فعمر العشرينات يتوجب خطة مالية تضمن الحصول على سيارة وإتمام الزواج، وليس من الحكمة إرهاق الأسرة بادخارات المنزل، فهذا العمر الجميل لا يعود، وفي سن الثلاثينات عمر يستوجب جمع قيمة أرض المنزل الذي تحلم به، وعندما تدخر هذا المبلغ أو تقترض لامتلاك الأرض فهذا قرار صائب لن تندم عليه بشرط ألا يكون فوق متطلبات السعادة اليومية للأسرة التي بدأت بامتلاك الأطفال، وفي عمر الأربعينات حانت لحظة امتلاك المنزل المناسب لهذه الأسرة الممتدة، وهنا تأتي حسبة الادخار والاقتراض لمنزل الأحلام، فيجب أن تمتلك نقداً نسبة لا تقل عن ٥٠ ٪ من قيمة المنزل، وأن تكون نسبة القرض بين ٥٠ ٪ و٣٠ ٪ من قيمة المنزل الذي تريد امتلاكه ولا تتجاوز هذه النسبة، وإلا فعليك تأجيل الشراء والعمل على مزيد من الادخار .
احذر من الديون التي تثقل حياتك، ولا تقترض إلا في الأشياء التي تنقل حياتك، فالدين الذي يثقل ولا ينقل خطر، والدين الذي ينقل ولا يثقل فرصة، فكثير من القروض الشخصية تثقلنا وتهلكنا دون نقلة تستحق.
كثير من الناس تدفعه الضغوط المالية إلى المبالغة في الادخار، وإرباك استقرار المزاج العام للأسرة تحت قرارات الادخار، والقرار الأفضل من الادخار هو زيادة الدخل، فالادخار "الفعال" يكمن في زيادة دخلك وليس في تقليل نفقاتك، والذي يعتمد على مصدر واحد يرتكب خطأ استراتيجيا ماليا، فتنويع مصادر الدخل مع الاستدانة المحدودة أفضل من الاعتماد على مصدر واحد دون اقتراض.
قد تكون فكرة "تغيير العمل" هي فكرة مستبعدة عند الأكثرية تحت شعور "الأمان"، ولكن تأكد أنه يوجد هناك عمل أفضل وأريح وأكثر دخلاً، ولكنك لم تقرر إلى الآن البحث عنه، ومن أسباب السعادة أن تجمع مالاً وفيراً من أعمال تعشقها.
ادخار مبلغ للطوارئ يستطيع أن يسير أمور أسرتك ما بين ثلاثة إلى ستة أشهر ضرورة أسرية، وفيه فرصة للانتقال الصحيح من عمل لآخر بسلاسة نفسية وعملية لا تؤثر على القرار الصحيح.
استمتاعك بحياتك أهم من سداد ديونك، فتفويت السعادة من أجل سداد الدين ليس قراراً صائباً على الدوام، فتأجيل السعادة للغد أمر ممكن ولكنه يعتبر قراراً خاطئاً إذا كان ثمنه تعاسة اليوم.
الفقر يقتل السعادة والثراء لا يجلبها، وكما يقول كين هوبارد: (من الصعب أن تعرف ما الذي يجلب السعادة، فالفقر والثروة فشلا في تحقيق ذلك)، وكل ما سبق ليست قواعد مؤكدة بقدر ما هي فرصة لإعادة التفكير في علاقتنا مع الديون.