كلنا بلا استثناء قلنا ذات وقت بلسان قولنا أو بلسان حالنا هذه العبارة: "أنا حزين"، والحزن هو شعور طبيعي نمر به إذا أحسسنا بفقد مأمول، فالحزن هو ردة فعل لخسارة، وسنة الحياة أن الخسائر كأس يذوقه الجميع بلا خيار منا، ولذلك لا يجب الحديث عن منع الحزن من الوصول بل في كيفية ترتيب رحيله في أسرع وقت، فالحزن كالطائرة التي لا نملك وقت هبوطها ولكن بيدنا تحديد موعد الإقلاع.
نحن شعوب تحب أن تبحث عن الحزن وتتحدث عنه، والمبيعات الفلكية لكتاب الدكتور عائض القرني (لا تحزن) هي في حقيقتها استفتاء جماهيري لقياس علاقتنا مع الحزن، بل ويصل ببعضنا أن يستمتع بحالة الحزن كما يقول نزار قباني: (شكراً على الحزن الجميل).
لولا الحزن لم تعرف قلوبنا قيمة الفرح، وفي الإكوادور يقولون: (الحياة مزيج من الدموع والابتسامات)، ولكن المهم أن نتقن مهارة "الرحيل السريع للحزن"، فجوازات قلوبنا لا يجب أن تمنح إقامات دائمة لوافدي الحزن، وأقصى ما يجب تقديمه هو تأشيرة مرور مؤقتة، وفي الصين مثل يقول: (إنك لا تستطيع أن تمنع طيور الحزن من التحليق فوق رأسك، ولكنك تستطيع منعها من بناء الأعشاش).
عندما يفاجئنا الحزن بدون استعداد علينا أن نتذكر المكاسب التي ما زالت في أيدينا، وأن نضع الخسائر في حجمها الطبيعي حتى لا تطول دورة الحزن في صدورنا، فللحزن دودة تقتات بشراهة على أوراق قلوبنا، وديدان القلوب لن تشبع حتى تلقيك في قمامة اليائسين، ولذلك كانت غادة السمان تقول: (لقد قضى الحزن وطره مني لكني لن أحبل باليأس).
أحياناً يكون الحزن هو الطريق الذي يعيد المياه إلى المجاري الأفضل على طريقة: رب ضارة نافعة، وقد تتحول جمرة الخسارة لوقود النجاح، وقد يكون الحزن هو سلم السعادة الأكبر، وتأمل في حياتك السابقة ستجد أنك حزنت على فوات أشياء، وكانت هي بداية خير جديد.
إن الأشياء التي نحبها عادة ما تكون هي مصادر حزننا، وكما يقول جبران خليل جبران: (حين يغمرك الحزن تأمل قلبك من جديد، فسترى أنك في الحقيقة تبكي مما كان يوماً مصدر بهجتك)، والحزن إذا سيطر على القلب بسبب من يحب عميت الأعين وتبعثرت الحواس، ولذلك كان محمد حسن علوان يقول: (كل المدن تتساوى إذا دخلناها بتأشيرة حزن)، وإن لم تسيطر على الحزن فسيسيطر على قلبك المحب.
أفضل طريق للتعامل مع الحزن أن تتجه إلى الله، ونبينا الصادق الأمين قال لصاحبه الحزين في الغار: (لا تحزن إن الله معنا)، وتعامل مع الحياة كما يقول محمد الشواف: (الحياة رواية جميلة عليك قراءتها حتى النهاية، ولا تتوقف أبداً عند سطر حزين).