«الحظ» مفهوم عالمي يتردد في كل الثقافات، والعرب منذ القِدم يتغنون بمقدرة الحظ الخارقة ويقولون: (أعطني الحظ وارمني في البحر)، ونفس المعنى يردده الروس على طريقتهم ويقولون: (ديك المحظوظ يبيض)، وفي إيرلندا مثلٌ يردده الكسالى دائمًا: (امتلاك الحظ أفضل من النهوض المبكر)، والتراث العالمي يفيض بمثل هذه الحِكَم والأمثال التي تجعل "الحظ" هو المفتاح السحري للحياة الناجحة، وما عليك إلا أن تنتظر اللحظة التي يقرر فيها الحظ زيارتك، ليصفك من حولك بابن المحظوظة على طريقة المصريين.
«الحظ» ليس صدفة محضة تنزل علينا من السماء، فالحظ هو خليط (فرصة واستعداد)، والحظ من وجهة نظري هو فن التعامل مع الفرص، وعندما لا تكون مستعدًا ومهيأً لتلك الفرصة حينما تأتي فأنت أخرجت نفسك من دائرة المحظوظين، ولذلك يتميّز هؤلاء المحظوظون بقوة الملاحظة للفرص التي استعدوا لها سابقًا من حولهم، أما سيّئو الحظ فإنهم في الغالب لا يشاهدون الفرص التي لم يعدوا أنفسهم لها، وهذا الاستعداد والتهيؤ للفرص يحتاج إلى صبر وتفانٍ قبل أن تحين لحظة الانتهاز، فلا يليق بالمحظوظ أن يكون في الخارج عندما يطرق الحظ باب المنزل، وكما يقول العالم الكيميائي الفرنسي لويس باستور: (الحظ يفضّل أصحاب العقول المستعّدة).
كثير من الفاشلين يلقون باللائمة على "الحظ" الذي وقف عند محطة غيرهم وتجاوز محطتهم، وفي ذلك يقول علي الوردي: (سوء الحظ عقدة نفسية)، خاصة عندما نصف نجاح مَن لا نحبّهم فإننا نبحث عن شماعة الحظ لنفسد حفلة الإنجاز المستحقة.
إن «الحظ» يحب مَن يبحث عنه، ويبتسم لمن يحاول أن يبادر بالابتسامة في وجهه، وكما يقول تينيس وليامز: (يأتي الحظ لو آمنت بأنك محظوظ)، وبحثك في عالم الأبراج وتاريخ المواليد لن يسوق الحظ إليك، فالحظ نصفه عمل واستعداد، ونصفه اقتناص واستغلال، وبدون الاستعداد والاقتناص ستكون أعمى في سوق المحظوظين، ولذلك يقول علي أمين: (الحظ ليس من مواليد أمريكا.. إنه يتسكع في كل بلدان العالم، ولكن ما أكثر العميان).
إن اعتمادنا على الحظ يقلل من فرصتنا في الحصول عليه، واستسقاء الحظ يبدأ من ساحات الاستعداد والعمل، وكما يقول هاري غولدن: (الشيء الوحيد القادر على قهر الحظ العاثر هو العمل الجاد).
أتمنى ألا يسيطر علينا شعور ذلك الشاعر غير المحظوظ وهو يردد:
إن حظي كدقيق فوق شوك نثروه ... ثم قالوا لحفاة يوم ريح اجمعوه
صعب الأمر عليهم ثم قالوا اتركوه ... إن من أشقاه ربي كيف أنتم تسعدوه.