إذا لاحظت أن ولدك ضعيف الثقة في نفسه، والتقدير لذاته، فسارع بتغيير أسلوبك في التعامل معه إذا أردت أن تعده لمستقبل واعد يحتاج فيه إلى رصيد كبير من الثقة والتقدير.
وأغلب الأسباب التي تتعلق بالمتاعب النفسية للطفل تعود إلى (سوء التغذية العاطفية ) حيث يعاني الطفل من نقص حاد في إشباع حاجاته الوجدانية من العطف وتقدير الذات ما يفقده الثقة ويصيبه بالتعاسة أو يؤدي به إلى العدوانية أو الانعزالية.إذا كان لطفلك حق فعليك أداؤه أو استأذن منه وهذه, بعض الطرق المقترحة لبناء الثقة وتقدير الذات لدى أولادنا:
- عامل ولدك معاملة إنسان وعضو محترم من أعضاء الأسرة، فإن الطفل الذي نشأ على التحقير والاستهزاء من شخصه لا يستطيع في الكبر أن يبدي الاستقلال في تصرفاته والرصانة في شخصيته.
ومن مظاهر تقدير الطفل في تربية النبوة أن النبي (صلى الله عليه وسلم) كان يكنّي الأطفال الصغار (يقول لأحدهم يا أبا فلان)، وفي ذلك تنمية لشعور التكريم في نفس الولد، كما في حديث أنس: " كَانَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا وَكَانَ لِي أَخٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو عُمَيْرٍ قَالَ أَحْسِبُهُ فَطِيمًا وَكَانَ إِذَا جَاءَ قَالَ يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ (اسم طائر كالعصفور) نُغَرٌ كَانَ يَلْعَبُ بِهِ. [البخاري في كتاب الأدب].
- استأذن الطفل فيما يتعلق بحقوقه: إذا كان لطفلك حق فعليك أداؤه أو استأذن منه، فهذا له أثره في بناء نشء عزيز طموح قوي الشخصية.
وتذكّر هذا الشاهد التربوي الذي رواه مسلم والبخاري عن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أتى بشراب فشرب منه وعن يمينه غلام وعن يساره أشياخ، فقال للغلام: أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَ هَؤُلأءِ فَقَالَ الْغُلأمُ لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا أُوثِرُ بِنَصِيبِي مِنْكَ أَحَدًا فَتَلَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي يَدِهِ ..[أخرجه صحيح البخاري ].
أما استباحة ما لدى الطفل دون أن نستأذنه؛ فهذا يعلمه أن يسلك نفس المسلك مع إخوته وزملائه دون اعتبار لهم.
- أظهر توقعاتك الإيجابية: إن إبرازك ما ترجوه من مكانة وإنجاز لولدك له أثره في تنمية التقدير الذاتي لديه، وتثبت الأبحاث تأثير ذلك في حفز الطفل إلى محاولات جادة لعمل ما توقعته منه.
يقول أبو بَكْرَةَ -رضي الله عنه- : رَأَيْتُ النَّبِىَّ (صلى الله عليه وسلم) عَلَى الْمِنْبَرِ وَمَعَهُ الْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ مَرَّةً وَإِلَى النَّاسِ مَرَّةً وَهُوَ يَقُولُ: « إِنَّ ابْنِى هَذَا سَيِّدٌ وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ».. رَوَاهُ الْبُخَارِىُّ، وهذا ما حدث بالفعل في مستقبل حياته.
- تجنب اللوم المستمر والانتقاد المرير لتصرفات طفلك، وعلى الأبوين مراقبة ما يتفوهون به بوجه عام، خصوصا أن الأطفال يشعرون بحساسية بالغة تجاه كلمات الوالدين.
يقص علينا أنس بن مالك رضي الله عنه موقفاً من طفولته مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فيقول: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ خُلُقًا فَأَرْسَلَنِي يَوْمًا لِحَاجَةٍ فَقُلْتُ وَاللَّهِ لا أَذْهَبُ وَفِي نَفْسِي أَنْ أَذْهَبَ لِمَا أَمَرَنِي بِهِ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَجْتُ حَتَّى أَمُرَّ عَلَى صِبْيَانٍ وَهُمْ يَلْعَبُونَ فِي السُّوقِ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَبَضَ بِقَفَايَ مِنْ وَرَائِي قَالَ فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ يَضْحَكُ فَقَالَ:
يَا أُنَيْسُ أَذَهَبْتَ حَيْثُ أَمَرْتُكَ ؟ قُلْتُ: نَعَمْ أَنَا أَذْهَبُ يَا رَسُولَ اللَّهِ .قَالَ أَنَسٌ وَاللَّهِ لَقَدْ خَدَمْتُهُ تِسْعَ سِنِينَ مَا عَلِمْتُهُ قَالَ لِشَيْءٍ صَنَعْتُهُ لِمَ فَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا أَوْ لِشَيْءٍ تَرَكْتُهُ هَلَّا فَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا .. "[ رواه صحيح مسلم].
- إن توفير بيئة منزلية آمنة ومحببة ومشجعة ضرورة تربوية لحماية أولادنا من حالات احتقار الذات، والحرص على الحديث عن الجوانب الحسنة في أولادنا يدفعهم إلى أن يحاولوا دعمها ؛ لأنها محل تشجيعنا.
كما أن اجتناب الحديث مع الآخرين في ذمهم - لا سيما في حضورهم - فلن يصلحهم بقدر ما قد يصيبهم بعقدة الحقارة.
لكن علينا أن ننتبه الى أن التدليل الزائد في معاملة الطفل وتلبية رغباته وما يصحب ذلك من مدح زائد، قد ينتج عنه طفل مغرور وعنيد، فيجب ألا يكون هناك خلط بين مفهوم الثقة في النفس الناتج عن أدب الطفل، وبين صفة الغرور والكبر، والله المستعان.