التميز هدف يسعى إليه الناجحون ، وهو نتاج عمل وجهد ومثابرة ، وهو سبيل للمنافسة بين الأقران ، والزملاء في الدراسة ، والعمل ، و الحياة . وتقوم المؤسسات بتحفيز موظفيها عن طريق منحهم شهادات التميز في كل عام ، في حفل قد تدعو إلى حضوره شخصيات رسمية ، ووجهاء المجتمع ، ومنسوبي المؤسسة ، والأهل والأقارب ، وهذه المكافأة المعنوية بمنح شهادات التميز ، أو المكافأة المادية تكسب الشركة فيه رضا الموظف فيضاعف جهده وإنتاجه ، وإخلاصه وولائه للمؤسسة التي يعمل فيها ، وهو هدف تسعى إليه كل مؤسسة . إلى هنا والكلام لا غبار عليه ، ولكن الغبار يأتي إلى ما يسمى مميز على حد تفسير صاحبه أو الناس ، وهو سعي الراغبين في التميز عن الآخرين بوسائل أقل جهداً ومثابرة ، وأكثر ثراء ومغامرة ، فهناك فئة من الناس تسعى للحصول على رقم لوحة سيارة مميز ، أو رقم هاتف جوال مميز ، وتقام مزادات لهذا المميز فيباع بأسعار خيالية ، وقد تكون هناك سوق سوداء لبيع المميز من الأرقام بألوف ومئات الألوف بل بالملايين ، المهم أن يحصل الشخص على رقم مميز ، ليتفاخر بأن رقم سيارته ،أو جواله مميز ، وإن التفت وشاهدت رقم سيارته المميز فإن ذلك يشبع حاجته في الزهو بهذا التميز كما يظنه .
لم يقف المميز عند حد أرقام الجوالات أو السيارات ، بل وصل إلى تاريخ زواج مميز ، وقد تستغل صالات وقصور الأفراح عند حجز التاريخ المميز فتضاعف أسعار الحجز للمميز ، وارتقبوا وصول حالات هوس المميز إلى تاريخ طلاق مميز ، لا سمح الله ، فللناس فيما يعشقون مذاهب !.
ما حفزني لكتابة هذا الموضوع هو ما أعلنته إحدى القنوات الفضائية في تقرير لها عن التاريخ المميز لهذا العام 10/10 /2010م ، وذلك أن إحدى الحوامل أصرت على الأطباء أن يجروا لها عملية قيصرية لاستخراج جنينها ليكون تاريخ ميلاده رقماً مميزاً في 10/ 10 /2010 م ، فإلى إي حد يمكن للإنسان أن يدفع ثمن مغامرات لا تسمن ولا تغني من جوع ، وقد يكون ذلك الثمن روحه .
مقابل ذلك فإن إرادة الله سبحانه وتعالى ومشيئته فوق مشيئة البشر ، فإن كانت تلك المرأة أصرت على أن يكون تاريخ ميلاد ابنها مميزاً عنوة ، فإن الله سبحانه وتعالى وهب امرأة أخرى لم تسع لأن يكون تاريخ ميلاد ابنها مميزاً ، فولدت في الساعة العاشرة وعشر دقائق في يوم عشرة من شهر عشرة لعام ألفين وعشرة ميلادية ، فالله سبحانه هو الذي يقدر أعمار الناس في مولدهم ووفاتهم ، فلا يولد إنسان قبل حينه ، ولا يموت قبل يومه ، ولن ينفعه تاريخ مميز.
لن يقف التاريخ المميز عند هذا العام ، ففي العام القادم سيكون 11/11/2011م ، وهكذا تستمر حمى الرقم المميز ، إلا أن تأتي تقليعه أخرى ، إلى ذلك الحين نستودعكم الله ، وندعوه لكم أن تكونوا متميزين ، لا مميزين !
