- قسا أقطاب البيئة الصناعية على البيئة الطبيعية.. عظَّموا فوائد صناعية تغني عن فوائد البيئة. معظمها حلول صناعية لمشاكل تسببوا في وجودها وتفشّيها. وصل بهم الحال حد أعذبة المياه المالحة. أراها الخطوة الأولى للاستغناء عن المطر الطبيعي، وبداية السيطرة والتحكّم في المياه العذبة. هم يعرفون أنهم أفسدوه. جعلوه حمضيًّا قاتلًا لكل الكائنات الحية، بسلبيات على الكون بكامله. بدلًا من التوقف، يكثفون الحلول العلمية الصناعية؛ للتغلب على تحديات نتائج أفعالهم السلبية. أصبحوا بهذا الفعل في دوّامة من الفعل ومعالجة سلبيات نتائج هذا الفعل. كل فعل يأتي بمشكلة جديدة، وهكذا.
- سخَّروا العلم والعلماء لمنافعهم الظاهرة والباطنة. استغلوا - وبشكل سلبي- كل الطاقات التي استودعها الله في البشر. منها طاقة العمل، وطاقة التعلم، وطاقة الإبداع والطموح. تجاهلوا أن هذه الطاقات مع غيرها أمانة. كان عليهم توجيهها لتعظيم منافع الأرض الطبيعية، وتعزيز دورها لصالح البشر. لا هلاكها والإخلال بتوازناتها وإلغائها.
- لم يتوقف طمع وجور وزلّات منهج الحضارة الغربية الصناعية على البيئة. لكنه يتفاقم. جشع ينمو ويتشعَّب. يبتكر المزيد. نشاطه في الخفاء والعلن. تجاهلوا الأصوات العلمية الحكيمة المحذرة من التمادي. لم تردعهم جهود العلماء لوقف نتائج الأفعال وتأثيراتها السلبية على كوكب الأرض برمته.
- حتى الإنسان أصبح ضحية. اعتبروه موردًا لا يختلف عندهم عن منجم الفحم الحجري. حوَّلوه إلى شبه الآلة. يعمل تحت ضغوط عديمة الشفقة في ظل ظروف تستنزفه بشكل جائر. حوَّلوه إلى ترسٍ في صناعتهم. يؤدي دورًا محددًا في زمن محدد، وفق قانون ينتزع منه أقصى جهد ووقت. قيَّدوه بقوانين منزوعة الرحمة. جعلوه كقطعة الغيار الحديدية. كل ما يقدمونه لهذا الفرد أشبه بالزيوت والشحوم التي تحقق منافعهم من إطالة عمر القِطَع الحديدية. تجاهلوا علاقاته الإنسانية والبيئة. يتطلعون لاستبداله بآلة منزوعة المشاعر. أطلقوا عليها اسم: (الإنسان الآلي). إنه نتاج الجشع وطموح الاستغناء عن البشر. حتى التسمية توحي وتقول.
- في هذه الحضارة الصناعية زادت الضغوط الجسدية على الفرد. وصل حد المعاناة النفسية. بدلًا من تخفيفها بالرحمة، زادوا عليه. ثم عملوا على معالجة الأمر باختراع الحلول الصناعية الطبية. دوامة من ضغوط تتوالد. كنتيجة أصبح الدواء أكبر تجارة في عالم الجشع. أصبح الفرد صيدلية متنقلة لكثرة تناوله الأدوية. أكثرها يهدّئ ولا يعالج. كأنهم استلهموا بيت شاعر العرب (أبو نواس): «وَداوِني بِالَّتي كانَت هِيَ الداءُ». هذا ما تقودنا إليه هذه الحضارة المعاصرة.
- لماذا حوَّلوا الفرد إلى إنسان آلي قبل اختراعهم الإنسان الآلي؟ لا يريدونه أن يحتج، ويعترض، ويمرض، ويتعب، ويأكل، ويشرب. يريدونه آلة عمل لا تكل ولا تمل. هذا يحدث مع الإنسان، فكيف حال وضع بيئة لا تستطيع أن تشتكي وتئن من جور وقسوة التعامل؟
- أصبح كل شيء في الكون مشروع استثمار لتحقيق الأطماع المادية. قلّة تقود الكثرة إلى حتفهم. قلة تتحكم في كوكبهم الأرضي وما حوله من فراغ. تجاوزوه واخترقوا مجاله إلى عالم آخر مجهول لا يخص البشر في شيء. يذكّرني هذا بالمَثل الذي يقول: (إذا أراد الله هلاك النملة أنبت لها جناحين). هكذا هو الوضع مع الحضارة الغربية الصناعية المعاصرة.
- جعلوا العلم والعلماء في سباق موجّه لا يُرى إلا بعين واحدة. يقود إلى الهلاك البطيء. يقول سبحانه في سورة يونس الآية (44): (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ). هكذا طغت البيئة الصناعية على البيئة الطبيعية. خلقت المزيد من التحديات المؤثرة سلبًا على البيئة. أصبح التفريط في البيئة دليل إنجاز مميّز لهذه الحضارة الصناعية الغربية. أراها مؤشرات لبداية فجر نهاية البشر على الأرض. ويستمر الحديث بعنوان آخر.
@DrAlghamdiMH