@azmani21
قال «عليه الصلاة والسلام»: (أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله -عز وجل- سرور يُدخله على مسلم).
إن تكن لطيفًا ودودًا تسعى لخدمة الآخرين أمر يُدخلك في محبة المولى «عز وجل»، ولكن عندما يتحوّل إرضاء الآخرين إلى غاية، تخسر بها نفسك لترضي غيرك، فعند ذلك يتحوّل إلى مرض ينبغي معالجته.
يشعر البعض من الناس بنوع من الخوف من فقدان مَن حوله، فيجتهد في أن يرضيهم على حساب راحته وسعادته، فيعيش حياة شقاء دائم، تجده مشغولًا بشكل مستمر، لا يمكن له أن يشعر بالراحة أبدًا، طاقة مصروفة بالكامل، لكل مَن يحتاجها، فهو كتلك الشمعة التي تضيء لمَن حولها، ولكنها تحرق نفسها دون شعور، حتى يكون مصيرها إلى التحطم، دون أدنى اكتراث بمَن يحيط بها، وهذا ما يسمى بظاهرة السعي لإرضاء الآخرين.
فيا تُرى، ما هي علامات هذه الظاهرة، وما هي الأضرار المترتبة عليها، وما هي سُبل علاجها؟
في كتابه توقف عن إرضاء الآخرين، يستعرض الكاتب باترك كنج، كيف نميّز هذه الظاهرة، وكيف نعالجها بطريقة إيجابية وخلّاقة.
يرى الكاتب أن من علامات هذه الظاهرة، أن صاحبها، يشعر نفسه دومًا بأنه سعيد، ولكنه في قرارة نفسه تعيس محطّم، يمتلك سعادة مزيّفة، وشخصية مهزوزة، وقرارات مسلوبة، بل وحتى اختياراته في حقيقتها مفروضة عليه، تجده دومًا ما يسارع لتأدية أعمال غيره، ويعرض خدماته عليهم، دون طلب منهم، بل لمجرد أن يقبلوه ويرضوا عنه، في حين أنك تجده في المقابل لا يمكن أن يتجرأ على طلب شيء منهم، رغم حاجته لذلك، وتجده يشعر رغم كل ما يبذله ويقدمه للناس بأنه شخص غير مرغوب فيه، أو أنه غير مقدَّر.
وترجع أسباب هذا الأمر، إما إلى أسلوب التنشئة التي مر بها الشخص في طفولته، حيث كان يشعر حينها، بأن والديه يولون اهتمامًا بالغًا لتصرفاته، أكثر بكثير من حرصهم على ذاته، فيتضخّم لديه رأي الآخرين فيه، ومن الأسباب كذلك، ضعف الشخصية، الذي يؤدي إلى الخوف من مواجهة الآخرين، فلا يتجرأ أبدًا، على إبداء رأيه في أمر ما، مخافة إغضاب الآخرين، أو إلى شعوره بأن خدمة الآخرين أولى من حاجات النفس الشخصية، بينما في حقيقة الأمر، أن ذلك على العكس تمامًا، فالله «عز وجل» يوصينا بالاهتمام بأنفسنا أولًا، ثم أهلينا (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا).
ولظاهرة إرضاء الآخرين أضرار جسيمة على الفرد، فهي غالبًا ما تؤدي إلى إهمال الذات، وكبت المشاعر، وعدم القدرة على الاستمتاع بالحياة، وإلى التوتر والاكتئاب، ويصبح على إثرها المرء عُرضة للاستغلال وضحية يسهل السيطرة عليها.
إذن كيف للمرء أن يتخلص من هذه الظاهرة؟
لا بد للمرء أن يوطد نفسه على قبول النقد، وعدم أخذ الأمر بشكل شخصي، وأن يستوعب أن الناس، يصعب أن يتفقوا على رأي واحد، فيكون من الصعب أن يتم إرضاؤهم جميعًا، فإرضاء الآخرين غاية لا تُدرك، كما عليه أن يعوّد نفسه على إبداء الرأي، وعدم الخوف من مخالفة الآخرين.
وختامًا، لستُ ضد السعي لخدمة الناس، وتقديمهم على أنفسنا أحيانًا، بل المقصد ألا يكون ذلك سجية لنا، وأسلوب حياة، نخسر فيه أكثر مما نكسب، وتذهب فيه تضحياتنا هباءً، بل إن التوازن في كل أمورنا أمر مطلوب، فلا إفراط ولا تفريط، وينبغي كذلك أن نحرص على أن ندفع بتضحياتنا، إلى مَن يقدّرها ويستحقها، وألا نكون مجرد عتبة يرتقي بها علينا الآخرون في سلم الحياة.
قال الشافعي -رحمه الله-:
صمَتُّ فقالوا كليل اللسان
نطقتُ فقالوا كثير الكلم
حلمتُ فقالوا صنيع الجبان
ولو كان مقتدرًا لانتقم