في شهر رمضان كثر الحديث عن بعض المواد التي تقدم عبر بعض الشاشات، وتابع الناس ذلك كتقليد يمارس كل عام في هذا الشهر الكريم، مما استوقفني مشاركات كثيرة بعضها غاضب وبعضها رافض التعليق على حالة تقليد، أو نقد لإحدى الشخصيات العامة، التقليد الذي لم يك يخلو من نقد وربما قولبة كوميدية إن جاز لنا التعبير. وتذكرت شيئا مهما في هذا الصدد وهو أن مساحة التعليق على الأحداث والمواقف سواء بالاتفاق، أو الاختلاف معها هو سلوك وتربية وثقافة، وكل هذه المعاني تتدرج بالنمو في بنية المجتمع وعقله وتطوره وتتماهى مع الأعراف والقواعد الأخلاقية والسلوكية وقد تصل في بعض المجتمعات إلى حد التقنين، بمعنى أن تصبح هذه العملية أي عملية النقد، أو التعليق مادة قانونية، أو محكومة بفعل قانوني يكون مع أو ضد، يجرم ويعاقب، أو يسمح ويجيز. وصول هذه العملية إلى هذا المستوى في أغلب التقديرات ينم عن تطور وتدرج اجتماعي وثقافي خبره الناس وتعايشوا معه وبالتالي ارتضوا أن يكون سلوكا مضبوطا بينهم. أسوق مثالا على ما أقول هو نقد أو تقليد الساسة ورموز المجتمع في الفن والأدب والثقافة في المجتمعات الغربية والأوروبية تحديدا، حيث يلاحظ من يعرف هذه المجتمعات أن النقد والتعليق، وحتى التقليد للشخصيات الاجتماعية جزء من حياة الناس لأن الناس بطبيعة الحال لا يمكن أن يجمعوا على شيء واحد دائما. هذا يجعل الناس في تلك المجتمعات تقبل الأعمال التي ترسم صورا كاريكاتورية أحيانا لبعض الشخصيات العامة، المهم كما لاحظ المراقبون في تلك المجتمعات أن هناك فرقا بين موضوعين أساسيين هما الفرق بين النقد، والتقليد، وبين الإساءة، أو الانتقاص. صحيح أن هناك خيطا رفيعا بين هذه المفاهيم لكن من المعتقد أن المجتمعات تمر بمرحلة تطور يسبك فيها السلوك ليكون بعيدا عن الإساءة ومنصبا تقريبا على النقد أو التعليق. في المجتمعات الأخرى لا يزال هناك خلط بين العيب والإثم ونقص المروءة في تناول بعض الشخصيات بالنقد أو التقليد، وهذا يجب ألا يكون مستغربا لأن هناك أدوارا مؤثرة تلعبها العادات والتقاليد ومعايير الاحترام المرتبطة بالسن، والمكانة الاجتماعية، أو المرتبة والدرجة الثقافية. وسائل التعبير الحديثة ووسائل نقل الرسائل الاجتماعية كالتلفزيون وغيره تصبح مع مرور الزمن فاقدة للمادة التي تلفت انتباه الناس في حال كان كل الذي يقدم يسير في أطر المسموح والمقبول. مما يعني أن بعض الخروج عن المألوف قد يكون هو المطلوب.
salemalyami@