تمر على الكثير منا الأيام، كما يمر الضوء على عين أعمى، أو كما تمر المعزوفات على سمع الأصم، بلا قيمة ولا لذة، متناسين أن العمر دقائق وثوانٍ معدودة، واليوم الذي يذهب لا يعود، وكل اللحظات المارة هي من رصيد أعمارنا، وأعمالٌ في موازيننا، إما أن تُثقلها أو تهوي بها، ولو علم أحدنا متى يومه الأخير لعمل على اغتنام كل لمحة عينٍ باقية، فلمَ لا نعيش أيامنا على نهج اليوم الأخير؟ لمَ نركّز على ما لم يحدث وننسى الاستمتاع بما حدث؟
فلا ضير في أن يمر اليوم على غير ما خُطّط له، يكفي أن تمر علينا الأيام بسلامها مانحةً إيانا لحظات هادئة تغمرها الطمأنينة، وكفانا بذلك مكسبًا، فكل يوم هو فرصة ذهبية لأن تجدّد علاقتك مع مدبّر هذا الكون الذي ينزل إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من كل ليلة، فيقول مَن يسألني فأعطيه، كل يوم هو فرصة لتتبع سيئاتك بحسناتٍ فتمحها، كل يوم هو فرصة لأن تقضي لحظة مع شخصٍ عزيز تأنس به، وكل يوم هو فرصة لأن تجرّب طعامًا مميزًا للمرة الأولى، وكل يوم هو فرصة لأن تبني عادة جديدة تُبهجك، كل يوم هو غنيمة بين يديك تتخيّر فيه ما تشاء من أبواب الفرص لتدخلها؛ لنتوقف عن تسليط جُل تركيزنا على ما لا نملك غافلين عن الحمد على ما نملك، فكلٌّ منّا محاطٌ بالنِّعَم مُغدِقٌ بها، وإن اختلفت أشكالها بيننا، فيكفيك يا ابن آدم نعيمًا أن يمر اليوم وأنت آمنٌ معافى، سليم الصدر قرير العين، فتوكل على ربٍّ كريم يعطيك ما لا يمكن لبشرٍ أن يسلبه منك، ويزيدك بعطائه حتى يخجلك، فلا تحمل همًّا يدبره أحكم الحاكمين، ودع أمنياتك في ودائعه، واستمتع بما أُعطيت، وبما تمر به اليوم، فكل ما كُتِبَ لك خير، وكل ما مُنِعَ عنك خير، وكل أمرك أيها المؤمن خير، فلا تدَع العُمر يمر على وتيرة واحدة، واتخذ من لحظاتك البسيطة مع مَن تحب ظلًّا وارفًا تستظل به في هذه الحياة، واغنم بما استطعت من تقوى وصلاح، فهو خير زادٍ لك في يومك وغدِك، وتذكَّر دائمًا أن تعيش يومك وكأنه اليوم الأخير.
@lenahquia