قد تكون الممارسة الأكثر أهمية في تطوير ذواتنا هي التفرقة بين ما يمكننا تغييره وما لا يمكننا تغييره، وما نملك تأثيرًا عليه وما لا نملك تأثيرًا عليه، فإذا تأخرت رحلة الطيران بسبب حالة الطقس، فلن يؤدي الصراخ في وجه موظف شركة الطيران إلى إنهاء العاصفة، ولن يجعلنا بأي قدر من التمني نزداد طولًا، أو أن نولد في بلد مختلف أو عائلة أخرى، وبصرف النظر عن قدر محاولاتنا فلن نتمكّن من إجبار أحد على أن يحبنا دون موافقته، فالأجدى من تضييع الوقت الذي تقضيه في لوم نفسك على تلك الأمور التي لا يمكنك تغييرها هو أن تركز على قضائه في فعل ما يمكنك تغييره، وهناك دعاء جميل من الحِكمة العالمية يطلقون عليه اسم دعاء السكينة يقول:
«اللهم امنحني السكينة لأتقبل الأمور التي لا يمكنني تغييرها، والشجاعة لتغيير الأمور التي يمكنني تغييرها، والحكمة لأتمكّن من التمييز بينهما»، فإن تمكّنا من التركيز على استبيان الأجزاء من حياتنا التي تقع ضمن نطاق تحكمنا، وتلك التي لا تقع ضمن هذا النطاق، فلن نصبح أكثر سعادة فحسب، بل سنمتلك أفضلية الفهم على الذين فشلوا في إدراك أنهم يحاربون في معركة لا يمكنهم الفوز بها.
ولهذا فمن أهم الأمور التي يمكنك القيام بها في حياتك للتركيز على نطاق التغيير الممكن، أن تقول «لا» للدعوات والطلبات والالتزامات التي يخجلك مَن حولك لقبولها دون مصلحة واضحة لك، فإن لم تكن حذرًا حيالها، فستغرق حياتك وتستنزفها، وقد يجرح رفضك في البداية مشاعر البعض أو قد يخذل آخرين، وقد يتطلب الأمر بعض الجهد، ولكن كلما زاد رفضك للأمور التي لا تهم، سيزداد تفرّغك للمهم؛ مما سيمكّنك من عيش الحياة التي تريدها فعلًا.
وهناك مرحلة أقوى في قول «لا»، وهو رفضك تلك الانفعالات السلبية والعادات الإدمانية التي تستهلك الوقت والتركيز والغضب والتشتت والهوس والإدمان، فقد لا تبدو تلك النزوات خطيرة في البداية، لكنها ستنطلق بضراوة جامحة لاحقًا لتصبح ردة فعل متأصلة في استجاباتنا، وإن ما نعتبره متعًا لا ضرر منها، يمكنها أن تتحوّل بسهولة إلى إدمان لا مفر منه، وسوف تتسبب تلك المثيرات البسيطة في إهدار حريتنا وسيطرتنا على أنفسنا، بل وسوف تعتم من وضوح تفكيرنا، ولهذا فإن استعادة التحكم في حياتنا تستدعي القدرة على ضبط انفعالاتنا والسيطرة على عاداتنا، فإذا كنا نشعر بالتوتر لفقدان القدرة على التحكم في الأمور الخارجية التي تحدث من حولنا، فلا تزال هناك منطقة موازية تقع في نطاق تحكمنا، وهذا الأمر دون غيره يمنحنا الكثير من الشعور بالسيطرة والسلطة.
فالشيء الوحيد الذي تمتلك التحكم فيه بالكامل هو ذهنك وقدرتك على الاختيار العقلاني، فهذا هو الشيء الوحيد الذي لا يمكن لأحد أن يسلبه منك، ويُعد هذا خبرًا سارًّا؛ لأنه يقلل من عدد الأمور التي تحتاج للتفكير فيها، فعندما يتحرك الجميع بطريقة محمومة حاملين قوائم ضخمة بالمسؤوليات والانشغالات الواقعة في غير نطاق تحكمهم، ستحمل أنت قائمة مكوّنة من بند واحد وهو التحكم في عقلك وإرادتك وخياراتك.
@LamaAlghalayini