* المشهد (البيئي) حول طريق الساحل المزدوج في تهامة يحمل الشيء ونقيضه. يمتد من جدة عبر سهول تهامة حتى جيزان، ويتفرع إلى عسير والباحة. ماذا شاهدت، ورصدت، واستنتجت في المسافة بين مدينة (القنفذة) ومدينة (حلي) بطول (60) كيلو مترًا؟ هذه المسافة نموذج يسري على امتداد الطريق. مشاهد تعزز شأن شجر البرسوبس وأهميته، ونجاحه الباهر في محاربة تصحّر سهول تهامة. هذه السهول موطن زحف وتحركات الرمال السائبة والغبار العالق بسبب نوع تربتها المنقولة من جبال الحجاز والسراة بفعل الأمطار عبر التاريخ الجيولوجي والجغرافي. اللوحات الإرشادية المرفوعة للسائقين في الأجزاء الجرداء تدعو لتوخي الحذر. وتحمل الكلمات التالية باللغتين العربية والإنجليزية: [تنبيه!.. منطقة عواصف رملية] [ATTENTION!... SANDSTORM AREA ].
* بين (القنفذة وحلي) مناطق غطّاها شجر البرسوبس بشكل كثيف. لوحات خضراء جميلة، منعت زحف الرمال وتطاير الغبار. لكن هناك مناطق جهة مدينة (حلي) خالية من شجر البرسوبس، تحتلها كثبان الرمال وذرات الغبار العالق. مبنى بلدية (حلي) مغروس في المساحة الخالية من الغطاء النباتي، شاهد على التصحر وزحف الرمال، والغبار العالق في الفضاء، ينقلها الهبوب طوال العام نحو مناطق السراة (عسير والباحة)، المرتفعة عن سطح هذه السهول بأكثر من (2000) متر. هنا تتجلى الخطورة والمحاذير. سهول تهامة بحاجة إلى شجرة البرسوبس لوقف زحف رمالها على جسم الطريق الساحلي ومجمعاته السكنية، وأيضًا منع مداد غبارها العالق على مناطق السراة.
* اجتثاث شجر البرسوبس من أودية تهامة -كما ينادي به البعض- كارثة بيئية لها أبعاد خطيرة. الغبار سيصبح منتشرًا بكثافة أكبر حتى على مناطق جبال السراة. التفكير في العواقب البيئية مطلب. المستقبل بحاجة إلى الغطاء النباتي في هذه السهول المفتوحة. والسعودية الخضراء بحاجة إلى شجر البرسوبس مع الأخذ بتوظيفه في الموقع المناسب، وليس اجتثاثه بعد نجاح انتشاره. البعض يرى غابات شجر البرسوبس في سهول تهامة نقمة وليست نعمة. يرونها عدوًّا للغطاء النباتي المحلي. ونتعجب عندما تشاهد خلوّها من أي غطاء نباتي محلي، حيث ترسم مساحات سهول تهامة صحراء رابعة في المملكة. خالية من أي غطاء نباتي محلي في معظم أجزائها. رأيت كثبانًا من الرمال الزاحفة تحيط بالجبال في بعض المواقع وقد طمرت قواعدها. زحفها المستمر في ظل غياب الغطاء النباتي يتفاقم. وغبارها العالق يتواصل مداده.
* يقول أكاديمي استعانت به وزارة البيئة والمياه والزراعة في تغريدة لشخصه: [البرسوبس الذي أدخل منذ عقود طويلة ولم يصبح كارثة واضحة للعيان إلا في السنوات الأخيرة]. لقد اعتبر نجاح انتشارها كارثة. نسأل على أي أساس علمي بنى استنتاجه؟ هات حالة واحدة وعلى مستوى العالم أصبحت فيها الأشجار كارثة؟ الوزارة -مشكورة- استعانت ببعض العلماء من الجامعات السعودية، لكنهم من خلال تصريحاتهم كشفوا المستور عن فرض توجّهات قاصرة، كشفت مدى خطورة تغييب رأي تخصصات أكاديمية أخرى مخالفة لتوجهات تخصصاتهم التي جعلوها لا تُرى إلا بعين واحدة.
* في أمر اختلاف الرأي العلمي لا يتم فرض رأي واستبعاد آخر في ظل صحة طرح الرأيَين. هناك معايير تحكم. تحقيق استدامة المصلحة البيئية الأهم للمستقبل في ظل سيادة الجفاف وندرة المياه والتصحّر معيار رئيس. يوجد رأي علمي آخر غير الاجتثاث يتبنّاه علماء سعوديون، وتُجمع عليه تخصصات علمية ذات شأن وأهمية، ترى منافع شجرة البرسوبس. فلماذا يتم تجاهلهم؟ لماذا يتم تغييب رأيهم؟ لماذا يسود في الوزارة المعنية الرأي الواحد؟ لماذا يسود تخصص علمي واحد على صوت تخصصات أخرى ذات علاقة؟ متى يتم التخلص من العقول التي لا ترى إلا نفسها، ولا تسمع إلا صوتها؟ تعدد آراء التخصصات العلمية منفعة عظيمة، إذا تم وضع معايير محايدة لاختيار رأي أحدها؟ إساءة الفهم والتعصب للرأي كارثة يجب وأدها لصالح البيئة. إذا استأثر رأي تخصص علمي على حساب رأي تخصصات علمية أخرى، فهذا أحد مؤشرات مظاهر التخلف.
twitter@DrAlghamdiMH