ولا أعني بهم تلك الشخصيات التي تجذبنا في الأفلام إن أدت أدوارها بمهنية عالية تجعلك تعي عمق دورهم وأثره في المجتمعات وما يترتب على التزامهم بالأخلاق المهنية من حسنات وما ينتج من سلبيات إذا سلكوا طريقا غير ذلك، بل أقصد بالمحقق والمحامي والمبعوث المتواجدين في عالم صغير تسكنه أسرة مكونة من أبناء وأم وأب.
هذه الوظائف تتوافر في أطفال تلك الأسر من مرحلة الطفولة المبكرة إلى أن ينهوا المرحلة الابتدائية، فنجد أحد الأبناء امتهن التحقيق يحقق في أمور المنزل ينقل لوالديه أمر أخوته، فذاك نام متأخرا ورغم الشبهة التي تلبسه عندما يستوقفه سؤال «لو لم تكن ساهرا لما علمت أن أخاك لم ينم» يبتسم فهو لا يستطيع النوم إلا إن تحقق أن الجميع غط في سبات، وهو الذي يخبر والديه أن أحد أخوته في المدرسة دخل شجارا أو نال من الأستاذ عقابا، وهو من يخبر عن ارتفاع درجة حرارة أحد أخوته، هو المحقق المخبر الذي ينقل لوالديه كل كبيرة وصغيرة ليس وشاية بل إنه محقق يحرص على أن يكون أخوته بخير وعلى ما يرام.
هناك المحامي الذي يسأل عن كل شيء باستفهام يناقش كل صغيرة وكبيرة ولا يرضى سوى الإنصاف فإن اتهم أحد أخوته بأمر مغلوط هب للدفاع وإن خاف أحد أخوته من عقاب ذهب لوالديه يفند الأسباب فإن غضب الأب دافع عن أخيه باستبسال وإن زعلت الأم شرح لها الأسباب فكان محامي يدافع عن أخوته في كل الأحوال بل أحيانا يدافع عن والديه إن استاء أخوه من نهج أحدهما أو كليهما فيوضح الحجة مشيرا إلى النية فإنها أصل الأشياء ومربط الرغبات عند الوالدين فهما يريدان الصلاح للأبناء.
المبعوث تجد وظيفته مرهونة بالأحداث فإن حدث خلاف وأحد الأطراف مكابر لا يريد الاعتذار وسط المبعوث ليقرب المسافات فيزين الحديث ويردم المسببات إلى أن تعود المياه لينابيعها دون اعتذار، وأحيانا ينقل اقتراحا بصورة جميلة على إثرها تتجهز الأسرة لرحلة أرادها الجميع وغفل عنها الوالدان وأحيانا وبأسلوبه جميل الاحتواء يجعل والدته تتراجع عن أمر أصدرته كان إلغاؤه أمرا محالا.
هذه الشخصيات تجدها كثيرا في الأسر التي ما زالت مترابطة لم تقتت التقنيات الملهية على أوقاتهم فيصبح كل منهم في معزل، تجدها في الأسر التي تحرص على مجالسة الأبناء وتقبيلهم قبل النوم لتطمئن على أن الجميع في المنزل بأمان منهية اليوم بكلمة «تصبح على خير»، هذه الأسر ما زالت ترافق بعضها بنزهات أو نشاطات فيها لا ينزوي كل فرد بمحموله على جنب، هذه الأسر أعتقد أنها وجدت بكثرة في حقبة السبعينيات وبدأت تتناقص مع نهاية التسعينيات.
* خفقة
البعض في وقت متأخر، متأخر جدا، يدركون أن الأسرة هي الأهم.
@ALAmoudiSheika