[email protected]
الصين اسم يتردد على كل لسان، سواء أكان ذلك على شاشات التلفزة الإخبارية، في سياق الأحداث الساخنة اليوم المتعلقة بالحرب في أوكرانيا، أو على الصعيد الاقتصادي بعد الظهور الصاروخي للاقتصاد الصيني، أو لتواجد الصين الهادئ في القارة الأفريقية، من بوابة الشراكات التجارية التي عادة ما ترافقها تحالفات سياسية، كل ذلك جعل الصين لاعبًا أساسيًّا في رسم الخارطة السياسية والاقتصادية للعالم اليوم.
في هذا السياق وإدراكًا من المملكة للدور المتعاظم للصين في عالم اليوم على كافة الأصعدة، فقد رأت أن الصين قوة اقتصادية وسياسية ناعمة، حري بها أن تكون شريكًا في العملية السياسية والتنموية في المملكة والمنطقة عمومًا.
هذا ما تم الإفصاح عنه؛ إذ سيُعقد في الأسابيع القليلة القادمة ثلاث قمم، طرفاها الرئيسيان المملكة والصين، تجمعهما الأولى في قمة منفردة، إضافة إلى دول مجلس التعاون الخليجي في القمة الثانية والدول العربية في الثالثة.
الحديث هنا عن طرفي القمة الدائمين المملكة والصين من جهة، وعن سياسة القمم الثلاثية التي أصبحت عُرفًا دبلوماسيًّا سعوديًّا بامتياز. فالمملكة، كما هو معروف بالضرورة، قطب فاعل في السياسة النفطية والاقتصادية على المستوى الدولي، تمامًا كما هو شأن الصين، وإن اختلفت الوسائل وطرق التأثير.
إن وجود هذين القطبين على رأس هذه القمم الثلاث كفيل بأن يجعل من هذه القمم علامات تاريخية فارقة في العمل السياسي الدولي لأصحابها، بما يعود عليهم جميعًا بالتقدم والازدهار الاقتصادي وبالاستقرار والتوازن السياسي في عالم السياسة المضطرب.
سياسة القمم الثلاثية نهج بارع في رسم شراكات سياسية واقتصادية واجتماعية تكاد المملكة تنفرد بها. ولها في القمم الثلاث التي عُقدت في استهلال الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب رئاسته، عندما زار المملكة في أول زيارة له عقب توليه الرئاسة، مثال سابق. وإذا كانت تلك القمم قد يمَّمت وجهها غربًا صوب القطب الأمريكي فإنها هذه المرة تكرر نفس التوجه، ولكن بتغيير بوصلة التوجه هذه المرة صوب القطب الآخر: التنين الصيني.
قد لا يرتقي نفوذ الصين على الصعيد الدولي حاليًّا إلى نظيره الأمريكي، فما زالت الولايات المتحدة تتمتع بهيمنة شبه منفردة على رسم المشهد السياسي العالمي. غير أن ثبات الحال من المحال. وقد تبدى للقاصي والداني في خضم الصراع بين روسيا وأوكرانيا، وما رافقه ويرافقه من تبعات سياسية واقتصادية وجيوسياسية، إضافة إلى الاحتقان السياسي الذي يعصف بالسياسة الأمريكية من الداخل، إن العالم مُقبل على تغيُّرات حاسمة بدأت ملامحها تلوح في الأفق.
طريق الحرير حقيقة تاريخية جغرافية ثابتة. فبالرغم من البُعد الشاسع للصين عن العالم العربي، وقلبه النابض وأوروبا، وما يُعرف بالعالم القديم عمومًا، قبل اكتشاف أمريكا، إلا أنها قد مارست تأثيرًا عن طريق التجارة، بحيث أصبحت قوافل التجارة التي تربط بين أوروبا والصين مرورًا بالعالم الإسلامي وسيلة نفوذ وربط تجاري واجتماعي وثقافي استمر لمئات السنين.
لقد كان درب الحرير سياسة ناعمة فعَّالة في إثراء المشهد الحضاري لجميع الشعوب والدول التي ازدهرت على جنباته. كما أن العُمق التاريخي للصين وقِيَمها العائلية وشرقيتها تؤسس لقواعد حضارية مشتركة بينها وبين العالمَين العربي والإسلامي الذي يشاطرها كثير من هذه القيم.
هذه القمم الثلاث ترجمة سياسية ثاقبة لدرب الحرير في عالمنا المعاصر. والآمال معقودة لأن تؤتي تلك القمم أُكلها في القريب العاجل.
بالأمس، كان خطاب وزير الخارجية في القمة العربية في بلد المليون شهيد فارقًا في محتواه ونبرته وأنفته. ويأتي إعلان استضافة المملكة للقمة العربية القادمة ليرسخ سياسة القمم هذه: قمم وهِمم في بلد القيم والشيم.