@ALAmoudiSheika
تبدأ النار من شرارة صغيرة، تبدأ من مكان تتوافر فيه عوامل الاشتعال، فإن اشتعلت ولم تجد ظروفًا تتسخر لها لتمُد رقعتها انطفأت، وإن وجدت انتشرت وأصبح من الصعب السيطرة عليها وأحيانًا ريح صغيرة قد تنقلها لطرف آخر، ويصبح الأمر وخيمًا فتهلك الأنفس والأموال والأخضر واليابس.
أحيانًا في عز كل ذلك الاشتعال، وذاك الحريق ينزل غيث من السماء فيطفئ كل ذلك اللهيب، وما امتد ساعات وأيامًا في توهج وحريق يُخمد في لحظات.
عندما تنقل الأخبار مثل هذه الصور لسببٍ ما، يكتب ذهني عبارات: الغضب، الحسد، الفتنة والنفاق، فهذه المعاني تشبه في أثرها مستصغر النار إذا حلّت في جسد، ولم يكافحها أو يحيط نفسه منها بحصن منيع، أو يحاول إطفاءها بالوضوء والقرآن والاستغفار، شبَّت في الروح ورمدتها، وبعدها العودة للصواب محال إلا لمَن شاء الله له النجاة.
الغضب عدو لدود للإنسان، يُخرجه من حال لحال، يُغيِّر حال الجسد، ولون الوجه، وآلية نبضات القلب، يصبح الغضبان كمرجل يغلي فيرتجف مضطربًا كاضطراب الماء عند تقلبه، فإن هدأ أدرك ما فقده في نوبة الغضب، وبعض الفقد لا يعاد.
الحسد، وما أدراك ما الحسد، فنحن نعرف مضاره على مَن شاء القدر، ووقع عليه ضرره، أما الحاسد فالضرر أشد وقعًا عليه، فهو منبوذ من البشر، يخشى من نفسه على نفسه، وتذوي حسناته، والحاسد غالبًا يعرف علَّته، وبعضهم يكابر فتجده يتلذذ في بث سموم عينه، ويتشفى على الأذى، وكلما وقع مكروه قدَّره الله لسبب تجده يزهو منتصرًا، وهو لا يدري أن انتصاره الدنيوي المؤقت يتبعه بُغض له من أهل الأرض، وهلاك له في صحف ستبعث يوم العرض.
الفتنة وصاحبها فعل فعلًا أشد من القتل؛ لعواقبها الوخيمة على المجتمعات، فلا يتضرر منها فرد، بل جمع وجماعات، الفتنة كنتوء فاسد ينتأ في جسد، ويبعث شكلًا منفرًا ورائحة نتنة لا علاج لها، كمن قال «لا مساس» سوى نبذ الفرد، وبين الفتنة والنفاق رابط نجس، فكلاهما يقود للآخر، وكلاهما في دائرة الألوان، لونه ملتبس يلتبس به الفعل، ويطمس على أثره نور الوجه.
خلقنا الله في أحسن تقويم هيئةً ومضمونًا، وتلك هي الفطرة الأساسية، وكل إنسان قد تحتله صفات، وتطرأ عليه لسبب ما، وكل طارئ إن حجّمته تحجم، وإن خنقته هلك، كما أن الصفات السيئة من زاوية نظرية لا تورث، إلا إن أراد صاحبها أن يرثها، وإن شاء أهل عليه من الاستصلاح إلى أن تصلح، أو وئدها في مراحلها الأولى، ويقينًا مع الأيام بعد ذلك لن تتنفس.
* حصن منيع
انجُ بنفسك برسم حدود بينك وبين ما يؤذي البشر، فكما تؤذِي تؤذَى وإن مضى دهر.