كيف نجسد الفخامة مع البساطة؟ كيف نوصل الإحساس بالقوة وبالاعتزاز والفخر؟ كلها مشاعر نحس بها جميعا في لحظات معينة وهي مرتبطة بصور ذهنية خاصة لكل مجتمع. للخطوط والأشكال والألوان والمواد لغة صامتة تصل إلى المشاهد وتستدعي الذكريات وتثير المشاعر، وهنا يأتي دور المصمم ودقة انتقائه لهذه اللغة البصرية، التي سيستخدمها لإيصال المعنى. فالخطوط الرأسية توجه النظر إلى الأعلى، حيث تبعث الإحساس بالرهبة والارتفاع، والخطوط الأفقية توحي بالاستقرار والهدوء كخط الأفق بهدوئه واستقراره، والخطوط المائلة تعطي الإحساس بالوقوع وعدم الثبات، والمربع يعطي الإحساس بالقوة والثبات إذ لا يمكن تغيير أبعاده، فهو صارم بعكس المستطيل الذي يعطي التنوع في نسبه، أما الدائرة فهي أساس الخطوط والأشكال وهي الشكل الكامل، الذي لا يعرف بدايته من نهايته.
ولا تقل الألوان في تأثيرها على نفسية المشاهد من قوة تأثير الأشكال، فالأبيض يعكس النقاء والبساطة، والأسود يعطي إحساس الفخامة والقوة، يأتي الرمادي محايدا يساير بقية الألوان، الأحمر يعكس الطاقة والحياة ويربط أيضا بالخطر، ويبعث اللون الأصفر الابتهاج والسعادة وهو لون البدايات الجديدة، فالشمس تشرق كل يوم باسطة أشعتها الصفراء الحارة وتمدنا بالدفء وتحرك مياه البحار الراكدة وتبدأ معها دورة تبخر المياه وتكثفها في السحاب، ثم يبرز اللون الأخضر الأكثر تعبيرا عن الحياة والطبيعة ويعبر عن الهدوء والازدهار والطمأنينة والسكون. هكذا يفكر المصمم خلال تصميمه وكيف يعبر عن المعنى ويوصل الإحساس إلى المشاهد، وبذلك فإن التصاميم القوية هي التي تستخدم هذه اللغة بطريقة صحيحة وتوصل المعنى لجميع المشاهدين المختص منهم وغير المختص، تجد نفسك واقفا أمام العمل تتأمل تفاصيله وتستشعر رسائله.
ولعل من أهم الأعمال التصميمية تلك المجسمات، التي نراها في ساحات المدن وتقاطعات شوارعها لنجد في كل مدينة الرموز والأشكال، التي تعبر عن المدينة والوطن أو عن المجتمع. أجد في مدينة الدمام عددا من التصاميم، التي بنيت منذ سنين كدوار الأشرعة ودوار الصدفة فيهما ربط لتاريخ المنطقة ومهنة استخراج اللؤلؤ في كل مرة أمر على أحدهما يعود تاريخ المنطقة في مخيلتي، يعود بي الخيال إلى تلك السفن وأشرعتها وحياة السكان حينها ورحلاتهم البحرية، وعند شارع الملك سعود يظهر مجسم آخر تبرز فيه حبة لؤلؤ كبيرة الحجم، ويظهر مجسم آخر يحمل نفس المعاني والاستدعاءات وهو مجسم الشبكة ويقع في تقاطع طريق الملك فهد مع طريق أبو حدرية في الدمام بخطوطه المنحية، التي تعكس الإحساس بالحركة. وأجد مجسما آخر في مدينة سيهات لمنارة وكتاب مفتوح وهو يجسد رسالة مباشرة للقراءة والعلم.
كلها كانت مجسمات بنيت في فترة سابقة بأشكال وألوان ومواد تعبر عن فكرتها، فإن كنا سنضيف على مشهد هذه المدينة ماذا عسانا أن نضيف؟ كل مجسم له رسالة ويفترض أن تكون هذه الرسائل متنوعة وتعبر ليس فقط عن الماضي، بل يجب أن تعبر عن الحاضر القوي وعن تطلعات المستقبل، يجب أن تعبر بتفاصيل أكثر عن مجتمع هذه المدينة المتنوع. فتحت مجسمات المدينة بتنوعها آفاقا وطرقا تعبيرية مختلفة لتربط بين الماضي والحاضر وتؤسس للمستقبل، الماضي هو القاعدة الصلبة، التي نقف عليها والتذكير بالماضي التاريخي العريق من أساسيات البناء الثابت لأجيال الحاضر والمستقبل. نبني الرموز والمجسمات نفهمها ونتأثر بها وتلحق بنا أجيال أخرى يستحضر منها المجسم بصمت نفس المشاعر والأحاسيس، ويستطيع المجسم بقوة تصميمه أن يكون خطا لاستمرارية المشاعر بين أجيال الماضي والحاضر والمستقبل. وأن يكون صورة جميلة للوطن والمدينة عالميا.
Dr_fatima_Alreda