وسمع حكيم رجلا يقول لآخر: لا أراك الله مكروها، فقال: كأنك دعوت عليه بالموت، فإن صاحب الدنيا لا بد أن يرى مكروها.
في الرخاء الكل عظيم ومميز ولكن عند الشدائد يتبين العظماء ويتقدمون، فقد أدركوا حقيقة الحياة، وعلموا أن الحزن والنياحة والتسخط لا ترد فقيدا ولا تنهي مصيبة، وأنهم قدوات يقتدى بهم فقدموا نماذج جميلة في الصبر ورباطة الجأش، وكما قال المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم «إنما الصبر عند الصدمة الأولى». وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو خير البشر إمام الصابرين مع ما تعرض له في حياته من مصائب لا يصبر عليها إلا أولو العزم.
أتبع صاحب التذكرة الحمدونية قصة عروة بقصة أخرى: قدم على الوليد وفد من عبس فيهم شيخ ضرير، فسأله عن حاله وذهاب عينيه فقال: بت ليلة في بطن واد ولا أعلم عبسيا يزيد ماله على مالي، فطرقنا سيل فذهب بما كان لي من أهل ومال وولد غير صبي صغير وبعير، وكان البعير صعبا، فند فوضعت الصبي عن منكبي وتبعت البعير، فلم أجاوز حتى سمعت صيحة الصبي، فرجعت إليه وإذا رأس الذئب في بطن الصبي يأكله، فاستدرت بالبعير لأحبسه فنفحني برجله فحطم وجهي فذهبت عيناي، فأصبحت لا عين ولا أهل ولا مال ولا ولد. فقال الوليد: اذهبوا به إلى عروة ليعلم أن في الدنيا من هو أعظم مصيبة منه، ويتسلى.