ما هو الفن؟ تختلف الإجابة من شخص لآخر. فهناك من يقول إن الفن هو الرسم، وهل هناك أشهر من لوحة الموناليزا وفنانها ليوناردو دافنشي. ومنهم من يقول إن الفن هو فن التجسيم (النحت) وهل هناك أشهر من تمثال داوود لمايكل انجلو. ومنهم من يقول إن الفن هو في المدرسة الحديثة ممثلة في رائدها الأول بيكاسو، ومنهم من يرى أن التصوير الفوتوغرافي قد محا كل هذه الأسماء والفنون، وهناك فن السينما والتمثيل، وأخيرا هناك الفن الرقمي وهذا ما زال وليدا للتو. هذه الأجوبة المفترضة تؤكد بما لا يدع مجالا للشك الوجود الكلي للفن في حياة البشر. إن اختلاف الأجوبة يعني تعدد تجليات المفهوم نفسه. فالفن عن علم أو غير علم منا، يحيط بنا إحاطة السوار بالمعصم. كل ما نحتاج إليه فقط هو أن نتحسسه، نتذوقه ونستمتع به. الحياة فن. التعليم فن. تربية الأطفال فن. الطهي فن. كرة القدم فن. بل إن الطب بسموه وشموخه فن كما قال ابقراط منذ أكثر من ثلاثة آلاف عام. قال تعالى في سورة الكهف (إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها)، وهل هناك أبلغ من هذا النص القرآني في حتمية الفن في حياة البشر؟.
الفن قديم قدم الإنسان وهو يتخذ في كل ثقافة وكل منطقة جغرافية من العالم شكلا واضحا له. وكتب الفن وتاريخه أكثر من أن تحصى. الفن في الغرب غيره في الشرق، وهو لدى الصينيين يختلف عنه لدى الهنود. وفن حضارات أمريكا ما قبل كولومبوس يختلف عن فن الأقنعة والوشم في مجتمعات أفريقيا القبلية، بالرغم من الانتماء في الموضوع والشكل في أدغال أفريقيا وسهول ومرتفعات الأنديز. والفن في العالم الإسلامي يتخذ شكلا أقرب إلى أن يكون فنا سوسيولوجيا مجتمعيا خالصا من دون تسميته بذلك. هذه نقطة مفصلية في اختلاف مفهوم الفن بين الثقافات. لكن اختلاف المفهوم لا يعني غيابه. فالإنسان لا يمكن له أن يستغني عن الفن حتى وإن سماه شيئا آخر. إنه في صميم ذاته، علم ذلك أم لم يعلم.
زفت لنا الأخبار هذا الأسبوع خبر فتح كلية للفنون في جامعة الملك سعود، وأيم الله إنه لخبر سعيد لا يقدره إلا من كابد صعوبة تدريس ما نسميه أي شيء إلا الفن.. ولنضرب على ذلك مثلا.
العمارة أم الفنون، هذه مقولة مشهورة تنسب لأبي العمارة الحديثة في أمريكا فرانك لويد رايت. والعبارة لم تأت من فراغ، بل ربما كانت أبلغ تعبير عن وصفها. في الفهم الجمعي الدارج، كما هو الحال في التقاليد الأكاديمية السائدة لدينا، نادرا ما تسمي العمارة فنا. إنها ممكن أن تسمى أي شيء إلا أن تك فنا. إنها هندسة مع أن الهندسة بها مكون فن لا بأس به، أو هي إدارة مشاريع، أو هندسة تشييد، أو نظم هندسية، أو حفاظ على التراث العمراني، أو تخطيط أو دراسات حضرية، وللقارئ والأكاديمي المتخصص أن يضيف إلى القائمة ما يشاء. وبالرغم من أهمية هذه التخصصات الفرعية ومشروعيتها إلا أنها تفتقر إلى الجانب الإنساني الذي وحده الفن كفيل بملئه. وإذا كان هذا حال المؤسسات التي يقع على عاتقها الرقي بالعمارة لتصبح فنا، فما هو حال المهنة في انسلاخها عن الفن.
التشوه البصري مصطلح حديث نسبيا، لم ينشأ من أكاديميات العمارة، بل من معاناة البلديات والأمانات التي راعها ما وصل إليه المشهد الحضري في كل مدينة وقرية. التشوه البصري هو نتيجة حتمية لغياب روح الفن وثقافته وتأصله في فكر وسلوك ومناهج التعليم أفرادا ومؤسسات وصناع قرار. الكل مشارك في التشوه البصري لأن الكل مشارك في إنتاجه.
ياله والله من خبر سار إنشاء هذه الكلية..
وتبقى الآمال المعلقة عليها وتوجهاتها ومخرجاتها موضوع المقال القادم.
[email protected]