تعاظم دور السيارات في بدايات ورودها إلى بلادنا حتى أصبحت موديلاتها جزءًا من الأبَّهة والتفاخر، بل دخلت مجال الغزل ووصف جمال المعشوق. ففال شاعر نبط:
نطحني على "الكدلك" حبيبي بعرض السوق.
وبيّحْ بخدِّ يجرحه لِمْس منديله.
لكننا رأينا أخيرًا أن السيارة والسير وساهر والزحمة في زمننا الحاضر، جعلتنا نذكر الوضع بالسوء.
قول زحمة المواصلات في التعبير المصري تعني في الغالب اكتظاظ حافلات النقل العام. وفي جزء منها كثرة المركبات الخاصة التي قيل عنها إنها عما قريبًا تصل إلى حد التوقّف التام. والذي يسمونه في دراسات النقل Stand Still أي: اللا حراك.
وارتاح المصريون لفترة من الزمن بوجود الحافلات الكبيرة والترام، ثم عادت المشكلة في السنين الأخيرة، ويكرر السياح شكواهم من صعوبة التنقل، وكأنه كُتب على السائح أن يقضي وقته في الشقة أو الفندق. وحتى لو استأجر مركبة بسائق، أو امتلك مركبة فالمعاناة ذاتها.
ومن أسوأ إحباط الحياة المعاصرة أن أصبحت السيارات التي يُفترض فيها أن تكون أداة انطلاق للإنجاز والتعجيل، أصبحت تأجيلًا وإعاقة. فالموضوع الذي يذهب المرء لإنجازه أو إحضاره قد لا يأخذ من وقته أكثر من دقائق، بينما التأخير الناتج من الكثافة المرورية يأكل من ساعاته وأيامه الكثير.
والمراجعة حتى الآن في مدينة الرياض ليست بيد المرور حتى نلوم مسؤوليه. ولا بيد الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض حتى نطالبها بالعمل ومراجعة لخطط السير في الشوارع، ولا ندعو إلى حملة أمنية وإعلامية تُعرِّف الناس كيف يسيرون ومتى وأين.
المسألة كما أرى إرث من الإهمال لهذا الجانب من موظفين عُهد إليهم بمهمات لم يقوموا بها خير قيام. المشكلة لم تبدأ أمس، بل بدأت قبل ثلاثة عقود، وحسّ الناس أن أوجّها يقترب بسرعة تفوق سرعة أدمغة المخططين الحضريين. فهذا -مثلا- لا يريد "أن يقطع رزق" هذه الفئة أو تلك. وذاك لم يسمع عن "الصالح العام" إلا في الإذاعات. حتى تفسيره ومعناه في القواميس لم يمرّ على ذاكرته.
كم من اجتماع عقدته لجان ولجان، وقد تنبَّأ مخلص أو أكثر من أن الحركة في العاصمة ستصل إلى مرحلة من التعاسة والشقاء تجعل مستعمل المركبة لا يذكر مخترعها بالخير. فالفصل الصيفي الطويل وفوران الماكينة ومنظومة الأسلاك، ما عساها جاعلة "دماغ" قائدها.. ينفجر..!، وهو أقرب جواب.
جاءنا هذا "الجراد" ولم نكافحه، كأي حشرة ضارة. استقبلناه ودفعنا ثمنه وغسلناه يوميًا وأمّنا عليه، وبعض الشركات سوَّقت عطورًا خاصة بالسيارة. كل هذا كي يأكل من أعصابنا وأوقاتنا ما حلا، خلال صيفنا الطويل، وتخطيطنا القصير.
@A_Althukair