في حكاوي رمضان عبر «ميدان» سنتحدث اليوم عن الإبداع المشترك في الجمع بين البراعة الأدبية وكرة القدم، سنتناول أكثر من حالة مشتركة لشعراء شغلوا الدنيا بكتاباتهم بعد أن تركوا كرة القدم لأسباب مختلفة، ومن أشهر الكتَّاب ممن مارسوا كرة القدم وكتبوا عنها مثل مؤلف رواية «لوليتا الشهيرة» فلاديمير نابوكوف، الذي كان حارس مرمى في شبابه، وأيضا مبدع روايات «شارلوك هولمز» أرثر كونال دويل، الذي كان مدافعا في نادي بورتسموث الإنجليزي، وفي حراسة المرمى جيمس جويس، وألبير كامو، وكلاهما كتب عن كرة القدم في أعماله.
ألبير كامو لاعب وسط
الروائي الجزائري المولد والفرنسي الأصل «ألبير كامو»، الحائز على جائزة نوبل هو مَن اعتبر نفسه أسطورة حراسة المرمى، وأن الأدب حرم الكرة من جهوده كحارس عظيم. بدأ كامو لعب كرة القدم في طفولته وشغل مركز رأس الحربة، ولكن جدته قالت إن ممارسة الكرة ما هي إلا إتلاف لحذائه، والفقر يمنع أمثاله من ترف شراء أحذية جديدة، فقرر أن طريقه الوحيد في الاستمرار لاعبًا هو أن يتوجه ليقف تحت الخشبات الثلاث.
وتابع كامو: «حارس المرمى يستطيع التأمل.. وتعلمت من حراسة المرمى كيف أن الكرة تحتاج لتركيز وسرعة بديهة، فهي لا تأتي دائمًا من المكان الذي نتوقعه. ساعدني ذلك كثيرًا في الحياة، خصوصا في المدن الكبيرة، حيث الناس لا يكونون مستقيمين عادة». لقد أدرك كامو المجاز الذي تحدث عنه سارتر في سن مبكرة جدا، إذ كان حارس مرمى فريق كرة القدم في جامعة وهران بالجزائر وهو ابن السادسة عشرة.
الفقر والمرض منعا الفيلسوف الشهير من الاستمرار في ممارسة اللعبة، إلا أنه لم يفقد قط نظرته لها عندما ذهب لفرنسا وذاع صيته في أوساط الثقافة. وكان يرى أن كرة القدم ثقافة حقيقية للعالم، لا تقل بأهميتها وضرورتها عن الرواية والشعر والسينما، فهي اللعبة التي تحمل ثقافة الشعوب ودرجة تحضرها. وقال بشكل حاسم: «أنا أدين لكرة القدم بكل ما أعرفه عن الأخلاق.. كرة القدم التي لا يكرهها إلا الأغبياء وحدهم».
الأيرلندي جيمس جويس مثير للجدل
جيمس جويس كاتب وشاعر إيرلندي، اشتهر بالكثير من الأعمال الأدبية التي أثار بعضها الجدل، رحل عن عالمنا في 13 يناير من عام 1941م، كان ضمن الكُتاب والمبدعين أصحاب العادات والطقوس المختلفة في الكتابة، حيث كان يكتب واقفا.
يعتبر جيمس جويس من الفئة، التي عانت في حياتها كثيرا من أجل الحصول على لقمة العيش، كان يقطع يوميا مسافة هائلة قبل أن ينتقل في سلسلة من وسائل المواصلات، ما بين قطار وعربة ودراجة وسفينة، فقط ليقوم بتدريس ابنة ربان سفينة مقابل 5 شلنات. ذات يوم قال أمام صديق له ردا على ما يعانيه أنه سيكتب رواية معقدة تحتفظ بنسخة منها مكتبات العالم، وكان أن استغرق في كتابتها 7 سنوات.
وتلقى جيمس جويس تعليمه في مدرسة مسيحية، ثم التحق بجامعة دبلن، وفي عام 1902 انتقل إلى باريس، كما أنه كان مصابا بأمراض مزمنة قادته للعمى، وأجريت له 11 عملية جراحية، وعندما كان في فرنسا مرضت والدته وشخصها الأطباء بأنها مصابة بمرض السرطان، وأرسل والده برقية كتب فيها «والدتك تموت، عد إلى المنزل.. والدك»، فعاد جويس حينها إلى أيرلندا، ولكن والدته دخلت في غيبوبة ورحلت.
ومع العون المالي المقدم من أصحابه، أمضى 7 سنوات في كتابة «عوليس» المثيرة للجدل، التي منعت في البداية بالولايات المتحدة وبريطانيا، وفي الوقت الحالي يعتبر ذلك الكتاب من أعظم كتب اللغة الإنجليزية في القرن العشرين، كما أنه أمضى 17 عاما في كتابة عمله الأخير «سهر فنيجان» في عام 1939م، ويعد من أروع ما كتب جزر القمر، كما ترجمت له إلى العربية «صورة الفنان في شبابه»، «عوليس» في جزءين، «ناس من دبلن»، مسرحيتَي «ستيفن ومنفيون».
في قصته «الأموات» يتخذ جويس من المنزل الكائن في 15 جزيرة أشر (منطقة تقع قرب أرصفة دبلن) مسرحا للأحداث، الذي كان في يوم من الأيام مسكنا لعمات جويس، ومدرسة للموسيقى أدرنها في تسعينيات القرن التاسع عشر، ومكانا أقمنا فيه حفلات عشاء، ما ألهمه كتابة ما وصفه النقاد بأنه أعظم قصة قصيرة في كل العصور، ومنذ ذلك الحين ويُعرف البيت محليا باسم «منزل الأموات».
في السنوات الأخيرة، غادر العديد من الكتّاب والموسيقيين والممثلين دبلن بسبب ارتفاع الإيجارات وقلة المساحات المجتمعية، بعدما طغت المشاريع على أماكن الترفيه. لكن مهما حدث لـ «منزل الأموات»، فإن الخطر الحقيقي هو أن جيلا جديدا من الفنانين الإيرلنديين يتم دفعهم إلى المنفى، تماما كما حدث مع جويس.
مبدع روايات «شارلوك هولمز» مدافع في فريق بورتسموث
آرثر كونان دويل أديب وطبيب بريطاني هو مبتدع شخصية شارلوك هولمز الخيالية. لعب مدافعا في نادي بورتسموث الإنجليزي.
وبعد 8 سنوات من العمل في الطب فكر آرثر بكتابة قصة وكتب أول قصة له بعنوان «الغرفة ذات اللون القرمزي» ولاقت ترحيبا من قبل الناس مما شجعته على طرح قصة أخرى.
عاش دويل حياة صراع مع شخصيته المبتكرة شارلوك هولمز، فهو يعتقد أنها قد حازت شهرة أكثر منه شخصيا ولذا أراد قتلها وفعلا حصل ذلك بالفعل، حيث قتلها في روايته الشهيرة (قضية شارلوك هولمز) إلا أنه لاقى اعتراضات من قبل جمهوره ومحبيه، وقام بحركة مذهلة ورائعة، حيث أعاد الشخصية للحياة.
فلاديمير نابوكوف عالم الحشرات بدأ حياته حارس مرمى
ولد الكاتب الروسي فلاديمير نابوكوف يوم 10 أبريل 1899م، في سان بطرسبورج لعائلة أرستقراطية، فأبوه أحد كبار رجال القانون الروس في عصره، وجده وزير سابق من العهد القيصري، وقد تلقى نابوكوف مع إخوته تعليما ثلاثي اللغات بالروسية والإنجليزية والفرنسية.
بدأ فلاديمير نابوكوف حياته كحارس مرمى، وبالإضافة إلى موهبته الأدبية، كان نابوكوف عالم حشرات، وظهر الاهتمام في هذا المجال من العلوم في طفولته. كما ساهم نابوكوف إسهاما كبيرا في علم الأورام الخبيثة (قسم علم الحشرات المكرس لعلاج الأجنحة)، واكتشف العديد من أنواع الحشرات الجديدة، وتم تسمية أكثر من 30 نوعا من الفراشات على شرفه وأسماء أبطال أعماله. كما كتب أيضا بعض المقالات عن الفراش، وكان رئيس مجموعة الفراشات في متحف علم الحيوان المقارن في جامعة هارفارد.
ظهرت أولى روايات نابوكوف عام 1925 تحت عنوان «ماتشنكا»، وفي سنة 1926م ظهرت مسرحيته المعادية للسوفييت «رجل سوفييتي» واتبعها بروايته «الملك - السيدة - الخادم» سنة 1931م، وكانت هذه الفترة أخصب فترات عطاء نابوكوف الإبداعي، حيث نشر عمله «الغلطة» 1932، ثم عاد سنة 1934م ونشر أعمالا لافتة للانتباه مثل «سباق مجنون» و«دعوة للعذاب» وفي هذه الأخيرة عداء شديد للحكم التوليتاري السوفييتي، إلا أنه كتب سنة 1938م لأول مرة رواية باللغة الإنجليزية هي «سيرة سباستيان نايت الحقيقية».
وعندما حصل على الجنسية الأمريكية سنة 1945م، ثم تعيينه في جامعة كورنيل، التي نشر منها عمله «الثلمة» وبدأ في كتابة سيرته الذاتية، التي ظهرت سنة 1951م بعنوان «من الشاطئ الآخر» سنة 1955 نشر روايته «لوليتا»، التي منعت أول الأمر في أمريكا، وهذا ما حدا بنابوكوف إلى نشر رواية «ابنين» سنة 1957م. وفي سنة 1958م أصبحت رواية «لوليتا» كتاب الجيب في أمريكا، وباع حقوق تحويلها إلى فيلم بمبلغ 150 ألف دولار، وقد تفرغ في هوليوود سنة 1960م لكتابة سيناريو لهذا الفيلم، إلا أنه سافر لأوروبا 1962، حيث كتب «النار الخافت»، وفي سنة 1969م كتب أطول رواياته «آدا». توفي الكاتب الروسي فلاديمير نابوكوف يوم 2 يوليو 1977م.
من الرياضة إلى الأدب
أما جابرييل جارسيا ماركيز، رائد الواقعية السحرية المعاصرة، فقد روت بعض المصادر أن كرة قوية ارتطمت في بطنه كادت تمزق أمعاءه كانت هي الحادث الذي أسدل الستار على لعبه بمركز حراسة المرمى في ضاحية «أراكاتاكا» الكولومبية، وغيِّر مسار حياته من الرياضة إلى الأدب.
قواعد الكرة أكثر سهولة من قواعد الأدب
الشاعر الروسي الشهير يفجيني يفتوشينكو كان مولعًا بكرة القدم، وبالتحديد بمركز حراسة المرمى، وكان يرى أن قواعد الكرة أكثر سهولة من قواعد الأدب، حيث قال إن الشاعر يأخذ وقتًا أطول حتى يثبت أن كرته أصابت الهدف.