وأنا أتابع كغيري مثل الملايين من البشر إحدى نشرات الأخبار، استوقفني خبر حول شجار بالأيدي بين نواب في برلمان عربي (28 ديسمبر 2021م)، المهم هذه الوقفة أعادتني إلى تذكر كلمة كانت واحدة من الكلمات، التي وجدت في معناها فرقاً كبيراً بين بيئتين اجتماعيتين، الكلمة هي مفردة «الهدة» وهذه المفردة استخدمتها في بداية حياتي عندما كنت تلميذاً في المرحلة الابتدائية في مدينة الثقبة بمعنى انتهاء اليوم الدراسي، ومغادرة المدرسة، ولا أنسى وكنت في مدرسة كبيرة مكونة من ثلاثة طوابق في كل طابق ما يزيد على عشرة فصول، وكان الطلبة يرددون بصوت عالٍ بعد سماع الصافرة، التي تعلن انتهاء آخر حصة: كلمة هدة، هدة، كان لتلك الكلمة مفعول السحر، حيث تعني بداية نهار جديد من ممارسة الحياة، واللعب، والاجتماع بالأهل، بعد يوم دراسي دام لساعات طويلة.
نفس المفردة تعني باللهجة النجرانية الشجار، أو العنف المتبادل بين الأشخاص، بغض النظر عن الأسباب. كنت حينها في المرحلة المتوسطة، وقد عدت لأكمل هذه المرحلة في منطقة نجران، وبقي المعنى الإشكالي يقفز إلى ذهني معظم أيام الدراسة إن لم يك كل يوم، حيث أسمع من الطلبة في الفصل أن هناك هدة هذا اليوم، يعني هناك مضاربة، وربما معركة بعد انتهاء آخر حصة من حصص اليوم الدراسي، حيث جرت العادة أن يتم الاتفاق المغلف بالوعيد عند الخروج، «أو الصرفة» كما تسمى في المجتمع الجديد. الخبر الذي أعادني إلى هذه المفردة، وقصتي معها أكد لي إلى حد بعيد أن المرء في مرحلة ما من عمره يفكر بلغة ما، أو لهجة ما بمعنى أن هذه اللغة، أو اللهجة هي أداة التفكير، والتصور الأولي لديه. المهم الخبر الذي قاد إلى كل هذه الذكريات بُنيَّ على حوار بسيط، وكأن مَن يتابع الخبر يشاهد مشهداً في رواية أو قصة درامية، جادة، وعنيفة، إليكم الحوار:
رئيس البرلمان «مجلس النواب» يرد على نائب:
- «أنت تضع على النار زيت».
وقيل إنَّ رئيس البرلمان كرر عبارته تلك مرتين، موجهاً حديثه لنائب في ذات البرلمان.
فرد النائب بعبارة بسيطة ومختصرة قائلاً:
- «والله منت داري إشي» ويعني، أنت لا تفهم شيئا.
فجدد الرئيس توجيه كلامه لسعادة النائب، قائلاً:
- «أخرس، وأطلع برى» أي أسكت، وغادر المكان.
فثارت القاعة بالأصوات العالية، ثم بالتشابك بالأيدي، العجيب، وأنا أتابع الخبر كان الفيديو المصاحب له، أطول من الخبر، وبين الفيديو حالات كر، وفر، صرا، وهدة لكن بنكهة برلمانية ديمقراطية عربية. أرجو ألا يفهم أحد أنني ضد الديمقراطية، ومظاهرها التمثيلية، والنيابية في الوطن العربي، لأن ذلك لن يقدم من الأمر شيئا سواء على استمرار إعلان إنتاج العمل السياسي الديمقراطي، في بيئات غير جاهزة، وربما غير ملائمة لتطبيق تلك الأفكار. وأجدها مناسبة للتأكيد على أن الخبر أي خبر، لا يمكن أن يكون محطة نتوقف عندها لبعض الوقت، ثم نمضي إلى أخبار، وربما أعمال أخرى، أنا أزعم وبحسب تجربتي المتواضعة أنه يجب أن تكون هناك بيئة فكرية، واجتماعية، مناسبة لتطبيق أي نظام سواء أكان ذلك النظام ديمقراطيا أم لا.
@salemalyami