ذكر شهاب الدين الأبشيهي في (المستطرف في كل فن مستظرف) «قال عبدالله بن طاهر: كنا عند المأمون يوما، فنادى بالخادم: يا غلام، فلم يجبه أحد، ثم نادى ثانيا، وصاح يا غلام، فدخل غلام وهو يقول: ما ينبغي للغلام أن يأكل ويشرب كلما خرجنا من عندك تصيح يا غلام يا غلام إلى كم يا غلام، فنكس المأمون رأسه طويلا، فما شككت أنه يأمرني بضرب عنقه، ثم نظر إليّ فقال: يا عبدالله إن الرجل إذا حسنت أخلاقه ساءت أخلاق خدمه، وإذا ساءت أخلاقه حسن أخلاق خدمه، وإنا لا نستطيع أن نسيء أخلاقنا لنحسن أخلاق خدمنا».
سمو الأخلاق مهما كان تصرف المقابل علو لا يستطيعه كل أحد، ولكن ونحن نتمتع بما لا يتمتع به غيرنا من عقيدة عظيمة وقيم سامية يجب أن نكون أكثر رقياً في تعاملنا مع مَن يعملون معنا، وبهذا نكسب رضا ربنا، ونقدم صورة مستحقة عن مجتمعنا في وقت كثر فيه المتصيدون.
البعض يريد من العاملة المنزلية والسائق ما يريده من البروفيسور والرياضي والسياسي مجتمعين في شخص واحد، شخص السائق أو العاملة لديه، ذكاء وسرعة في التصرف وإدراك لما يريده قبل أن يقوله وإلا غضب وزمجر، مع أنهم لو كانوا يملكون ما يظنه لما كانوا في المكان الذي هم فيه.
ومثل ذلك مَن يغض الطرف كثيراً عن تصرفات أولاده مع العاملين لديه، ومَن يهمل غرفهم -خصوصاً مع اشتداد البرد- من الحاجات الأساسية، وما نراه على الطرقات من تعامل البعض مع السائقين.
وبالمقابل هناك مَن رحلت عاملته المنزلية وسائقه منذ سنوات وما زالوا يتواصلون معه ومع عائلته.
الانطباع الأول أن أهل الجانب المظلم في النماذج السابقة هم محدثو نعمة، والآخرون كبار، ولذلك على الإنسان أن يختار بطريقة تعامله مكانه هو وأولاده.
أختم بقصة في الكتاب نفسه عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: «تغدينا عند الوليد بن عتبة -والي المدينة المنورة في عهد معاوية رضي الله عنهما-، فأقبل الفراش بصحفة، فعثر في وسادة، فوقعت الصحفة من يده، فو الله ما ردها إلا ذقن الوليد، وانكب جميع ما فيها في حجره، فبقي الغلام متمثلا واقفا ما معه من روحه إلا ما يقيم رجليه، فقام الوليد فدخل، فغيّر ثيابه، وأقبل علينا تبرق أسارير جبهته، فأقبل على الفراش وقال يا بائس ما أرانا إلا روّعناك، اذهب، فأنت وأولادك أحرار لوجه الله تعالى».
@shlash2020