مثل أي فن من فنون ومهارات الحياة تشتمل السياسة على خطاب محدد المعالم، والأركان. يحتوي على نسق خطابي متجانس، من المفردات والتراكيب، والتعابير الخاصة، والخاصة جدا في بعض الأحيان. في أبرز ميدانين من ميادين السياسة العامة، وممارستها يبرز الخطاب السياسي بخصوصيته، وتفرده في مسارين، المسار الأول، مسار الدبلوماسية وهي كما يعرف الجميع الأداة التي تستخدمها الدول، للتعامل فيما بينها، وفي شتى حالات التعاون، أو التفاهم، أو حتى حل الخلافات، ولا تقف الدبلوماسية، وأدواتها المتعددة في الغالب إلا في حالات نادرة أبرزها إعلان الحرب، والبدء بلغة السلاح. المسار الثاني، الذي يظهر اللغة والخطاب السياسي المتفرد إلى حد ما عن غيره من أدوات التواصل المعرفي والإنساني هو الخطاب المستخدم في أدبيات العلاقات الدولية. والذي يشمل تراثا إنسانيا كبيرا تتوارثه الدول، والوحدات السياسية عبر تاريخ طويل ومنذ برزت الدولة كمعطى جديد في العلاقات الإنسانية الدولية. السؤال الذي يبرز أحيانا في هذه السياقات هل تحافظ كل الوحدات السياسية (الدول) التي تشكل المنظومة الدولية اليوم على اللغة والخطاب السياسي في تعاطيها مع الدول الأخرى. الإجابة عن هذا السؤال تنقسم إلى ثلاثة أبعاد نظرية، البعد الأول أنه ينبغي على كل الدول التي تتمتع بعضوية في المنظومة الدولية والتي تعلن بشكل آلي بمجرد انخراطها في هذه المنظومة أنها دول محبة للأمن والسلم الدوليين، وأنها ملتزمة بتحقيقهما في سلوكها السياسي، يجب عليها أن تلتزم بلغة وبخطاب يحفظ لها، ولنظيراتها من الدول، والدول جميعها الصغير، والكبير، منها تتمتع بحالة من المساواة في هذا الجانب كونها عضوا في المنظومة الدولية. البعد الثاني أنه يجب على كل أعضاء المنظومة الدولية الابتعاد عن كل إشارات، أو عبارات من خلال خطابها السياسي والرسمي يهدد أمن الغير، أو يقلل من سيادة الغير، أو يشي بحالة من حالات التدخل في شؤون الغير. وهذا سلوك مستقر، ومتواتر في أبجديات العمل الدولي. البعد الثالث يقول ويؤكد أن القانون الدولي لا يتيح لأي دولة أن تنصب نفسها على أنها "حامي"، أو مدافع، عن قيم أو أخلاق، أو مثل معينة في المنظومة الدولية، وأن المعاهدات الدولية ذات الأبعاد الثقافية والتي تذهب في الغالب إلى تشريعات عامة للدول تفرق بين الحضارات والثقافات بمعنى الاحترام، لكل ثقافة، والإقرار بطبيعة الفروق الثقافية للأمم والشعوب. وأن ذلك أمر طبيعي. وأي محاولة لتغيير هذه الطبيعة فقد يعتبر عملا من الأعمال التي تهدد الأمن والسلم الدوليين، وعدم الالتزام بهذه المبادئ بشكل واضح قد يخلق حالة من الصراع الثقافي، وربما الأممي بين الدول الحديثة اليوم في القارات الخمس. ولعل التعثرات في عمل بعض المنظمات الدولية مثل اليونسكو في العقود الأخيرة كان منبعه إصرار بعض الدول على ما يمكن أن يسمى هيمنة، أو سيادة ثقافية وتزامن ذلك مع بعض المفاهيم الغربية التي تولد بعضها من مفاهيم مثل العولمة التي تعني في أحد منطلقاتها توحيد المعايير والقيم وبالتالي توحيد التبعية الاقتصادية لهذه المفاهيم بما يصب في مصلحة ثقافة واحدة، وتجارة واحدة، وقانون دولي عالمي واحد. ولكن طبيعة العالم ليست كذلك، لذا واجهت هذه المفاهيم تحديات كثيرة لا يزال بعضها ينتج في خلفيته الثقافية البعيدة أشكالا من العنف، والمقاومة العنيدة.
وقد يسأل البعض من تلك الدول ضمن المنظومة الدولية التي تستخدم خطابا سياسيا يخرج عن السياقات المقبولة، هل هي الدول الصغيرة الفقيرة، ذات النسب العددية البسيطة، والمنزوية في أطراف عالمنا المعاصر؟ للأسف غالبا تأتي الإجابة بلا. فالدول التي تستخدم لغة خطاب سياسي أقل ما يقال عنه أنه غير مناسب أحيانا هي القوى الكبيرة، والقطبية، وعالية التأثير في المحيط الدولي. هذا الأمر ليس سمة غالبة ولكنه موجود اليوم، ولا يمكن أن تخطئه عين المراقب. في الإعلام والسياسة، والحوار بين الدول.
@salemalyami