تروج بين الحين والآخر إشهارات ونشر عن قرب قيام الساعة، وتأتي كاريكاتيرات صحفية بين مؤيدة وساخرة تظهر بعض الشعوب يتبارون بالتبرع والخير والإحسان، يبحثون عن الفقراء راغبين في توزيع النقود والحلي على أهل العوز.
أذكر أنني قرأت واحدا من تلك الرسوم، حيث ظهر الشحاذ في شارع ازدحم بالناس المبدين حرصهم على الوصول إلى المتسول وهو يقول لهم بتعال ونبرة آمرة: امسك الطابور أنت وهو، خلونا نعرف نشتغل.
للإحسان ثمرة عظيمة تتجلى في تماسك بنيان المجتمع، وحمايته من الخراب والتهلكة ووقايته من الآفات الاجتماعية.
• الإحسان في اللغة: مصدر حسن، والإحسان ضد الإساءة، والفرق بين الإحسان وبين الإنعام أن الإحسان يكون لنفس الإنسان وغيره، أما الإنعام فلا يكون إلا لغيره. قال الله تعالى: «إن الله يأمر بالعدل والإحسان» فالمقصود بالإحسان هنا في الآية: الإحسان الذي هو فوق العدل، حيث إن العدل يعني أن يعطي الإنسان ما عليه ويأخذ ما له، أما الإحسان فيعني أن يعطي الإنسان أكثر مما عليه..
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم..
فطالما استعبد الإنسان إحسان
هذا الشاعر الحكيم قال «قلوبهم» ولم يتحدث عن الألسن. فاستقطاب القلب هو الصعب.
ثم إنه قال «الإنسان» في الشطر الثاني من البيت ولم يقل المرء أو أي مخلوق، فلا بد أن تكون «إنسانا»؛ لكي ترى المعروف.
الكرم ذلك الموروث الأخلاقي والثقافي لدى العرب قاطبة، ولكنه عند عرب الجزيرة والخليج يفوق كل ما قيل عنه من أوصاف، ولقد كان للكرم أثره الملموس في مجتمعات قبلية عاشت على أرض هذه الجزيرة، لكن بريقه بدأ يتضاءل في مجتمعات دولية معاصرة، ذات أبعاد حضارية ليس للضمير فيها وجود..
وأظن أنني سأجد من يتفق معي أن بيت الشعر الذي أوردته أعلاه لم يبق له وجود ولا جدوى. فبعد انغماس عرب الجزيرة أو لنقل الشرق العربي قاطبة في الإعلام الفضائي والنشر الإلكتروني والـ ... إف إم ورسائل الهاتف المحمول، صارت ميزانية «الإحسان» صفرا.
ثم إنني أرى أن العالم الحديث استعبده الإعلام، وظن أنه هو الواسطة الوحيدة إلى قلوب الناس، فصرف عليه ثم صرف.. وباع واشترى.. وهبطت أسهم هذه المؤسسة الإعلامية وارتفعت أسهم الأخرى.
ولو أنني شاعر لغيرت شطر البيت إلى:
فطالما استعبد الإنسان إعلام
A_Althukair@