إذا تحدثنا عن الحسد والحاسدين فهو حديث عن الجهل والجاهلين !! لأن الحسد لا يتعاطاه إنسان عاقل واثق من نفسه ولديه تقدير عال بذاته فضلا عن إيمانه بعدالة الله عز وجل بتقسيم الأرزاق !
فالعاقل لا يسعى لإيلام نفسه ورميها بالأوجاع لأن داء الحسد إذا توغل في القلب تحول لألم بدني قد يتفاقم ويدفع إلى البحث عن أي طريقة في سبيل تدمير المحسود وزوال نعمته، فهو آفة نفسية تدل على طبيعة فاسدة وضعف في الإيمان والشخصية واهتزاز لثقة الإنسان بنفسه وحماقة الحاسد لأنه يحترق ذاتيا إذا لم يصب المحسود بما يتمناه.
يقول زيد بن الحكم الثقفي:
تملأت من غيض علي فلم يزل بك الغيض
حتى كدت بالغيض تنشوي
وما برحت نفس حسود حشيتها
تذيبك حتى قيل هل أنت المكتوي ؟
وفي حروب السوشيال ميديا وعالم المشاهير وأصحاب الصنعة الواحدة تتجسد مشاهد الحسد واضحة من خلال تراشق الاتهامات وتشويه الأشخاص وإفشال المشاريع والبرامج والسب والشتم وتلفيق الاتهامات والوشايات بالرغم من أن الحاسد أو الحاسدة يلتزمون مقولة «الحمد لله والشكر ليش أحسده ! وش عنده زود..» إلى آخره من عبارات تبرئة الذات والهروب من تهمة الاعتراف بأنه في موقع أدنى محسوده ! فإذا نال مراده وأبعده وأقصاه وأزال نعمته تنفس الصعداء ! وما علم الحاسد أنه وإن تمكن من أن يطأ الأزهار فلن يستطيع تأخير الربيع ! فالحاسد مهما حاولت أن ترضيه فلا يرضيه إلا أن تزول نعمتك.
ومن أكثر مشاهد الحسد إيلاما الحسد بين أفراد الأسرة الواحدة كالإخوة أو الأقارب مما يزيد هشاشة العلاقات الأسرية الهشة أصلا ! في حين أن الأصل في الأسر أن يحمل الأفراد بعضهم بعضا نحو القمة لا أن يسقطوهم ويتعاونوا على إيذائهم ! وتظهر المناسبات الجميلة للأسر معادن الناس من حولك، فأقاربك المحبون الواثقون هم أوائل المهنئين أما المنزوون والحاسدون فلا يرضيهم أن يعيشوا معك لحظات الفرح بل يؤلمهم أن يروا الابتسامة ترتسم على محياك فلا تراهم في منزلك الجديد ولا في عرسك ولا ترقيتك ولا وظيفتك لكنهم أول الحاضرين في عزائك ! المتباكين على رحيلك !
وإن كان للحاسد من فضل فهو لفت الأنظار نحو المحسود وإبراز عظمته وهي شهادة ضمنية منه بتميزه وتفرده.
وإن اختلف الحسد عن الغيرة فكلاهما أمراض يجب أن يروض الإنسان نفسه على التخلص منها وأن يجاهد على أن يحب لغيره ما يحب لنفسه، فالحاسد مبغوض أينما حل كما قال الشاعر النبطي:
أهل الحسد والحقد وأهل السويات
علومهم عند الخلايق رذيلة
عساه يقلع يم ديار بعيدات
عساه ما يسكن بقلب القبيلة
يعطي نصيف الناس أنكاد مامات
مثل الهبوب اللي تقفي المخيلة
وسلام معطر لأصحاب القلوب النقية المتصالحين مع ذواتهم لا يضرهم نجاح غيرهم ولا يرون في أي كائن تهديدا لهم، راضين بما قسمه الله.. متبسمين دائما.
@ghannia