بعد مضي عقدين من تجربة العمل بين القطاعين العام والخاص، ترافعت خلالهما ممثلاً لجهات حكومية أمام القضاء، وقدمت الرأي القانوني والاستشاري والنظامي لمسؤولي الوزارات، وعشت صعوبة الاصطدام بين الرأي النظامي وتوجه بعض مسؤولي الوزارات، الذين يطمحون إلى تحقيق النفع العام، ويرون في الرأي القانوني حائلاً دون ذلك؛ في موقف صعب يقف المستشار أمامه محترماً للنص النظامي، ومرتبكاً من غضب المسؤول خشية أن يطاله الإقصاء أو التهميش أو عدم الترقية، وهي أوقات رهيبة مزعجة نكدة تعيشها الكوادر القانونية في الوزارات والهيئات والمؤسسات الحكومية، يتبعها تكرار بعض مسؤولي الوزارات لذات الخطأ الإداري، فيترافع قانونيو الوزارات عشرات المرات أمام القضاء حول الخطأ الإداري نفسه لتصدر عشرات الأحكام القضائية، التي تؤكد خطأ الممارسات الإدارية، التي تقوم بها الوزارات، ورغم ذلك تستمر بعض الوزارات في تكرار ذات الأخطاء لأن مسؤولاً في هذه الوزارة أو تلك غير مقتنع بسلامة الإجراء الإداري، الذي أكد القضاء سلامته مراراً وتكراراً، يلي ذلك معاناة الكادر القانوني في عملية التحقيق مع الموظفين ورغبة المدير الغاضب في التخلص من موظفه أو تشديد عقوبته أو نقله دون مسوغ نظامي، وممارسة الضغوط على قانونيي الوزارة لانتزاع توصية بإعفاء الموظف أو نقله أو تشديد العقوبة عليه بغير ما يقضي به النظام.
أخطاء ورهبة وتكرار للأخطاء وانعدام للحوكمة يترتب عليها اضمحلال الرأي القانوني السوي، وإزعاج للمواطنين والمقيمين والمرافق القضائية، وخسائر مالية من ميزانية الدولة في انتدابات الترافع بالمناطق وتعويض المتضررين، وخشية تطال أنفُس المستشارين القانونيين بما يؤثر على حيادهم واستقلاليتهم في إبداء الرأي القانوني بما يتفق وصريح النصوص النظامية، ويضاف إلى ذلك تشتت في فهم المبادئ القانونية والقضائية، ما يترتب عليه إهدار للوقت، وضعف في الحوكمة، وعلاجها كما أراه يتمثل في إنشاء وزارة للأنظمة والحوكمة لتكون هي المرجع الاستشاري لجميع القطاعات الحكومية، وجهة الترافع الوحيدة لها أمام القضاء، ولها إحالة المسؤول الذي يمارس تكرار الخطأ الإداري -على الرغم من صدور أحكام قضائية توضح عدم نظاميته- إلى التحقيق، وتوحيد المرجعية الاستشارية للدولة، واستقلال المستشار القانوني وقدرته الحرة والكاملة على معارضة المسؤولين في الوزارات دون خشية من التأثير على مستقبله الوظيفي والمهني، ورقابة الأداء الإداري للوزارات ومدى انسجامها مع صحيح القانون من خلال تكرار الدعاوى القضائية على ذات الإجراء المخالف، والتحقيق مع موظفي الوزارات المحالين للتحقيق، وإبلاغ هيئة الرقابة ومكافحة الفساد عن أية تجاوزات قانونية تثير شبهة الفساد، ومراقبة سلامة إجراءات تطبيق الوزارة للوائح الحوكمة ومبادئها والإشراف على تطويرها.
أي تكوين جهاز فعال لضبط العمل القانوني الحكومي وتوحيده وتعزيز مبادئ الحوكمة في الجهات الحكومية.