كلمتان خفيفتان معبرتان عن مثل شعبي يُقال بين الناس في وصف البشر من ذوي الطباع المتشابهة. السرقة عادة غير حميدة تنتشر بين الناس، وفِي أغلب المجتمعات، من يقوم بالسرقة، ويتكرر منه ذلك السلوك المشين يطلق الناس عليه لقب سارق، ليس تعظيما له بطبيعة الحال، ولكن تحقيرا، وتحذيرا للناس منه، ومن العادة القبيحة التي يستهجنها الناس، ويعاقب عليها القانون، وينهى عنها الله تعالى عباده. بالعودة للمثل ولمحاولة الاقتراب منه ندخل في تفصيل آخر، وهو اعتبار المتشابهين في عادة السرقة الممقوتة على مستويات متقاربة من السلوك، حتى جاء وصفهم في المثل بالأخوة إبرازا لخاصية التشابه في الغالب. في فضاء الوظيفة العامة، وبعد بروز الدولة كمشغل للمواطنين لكي يستطيعوا إعالة أنفسهم وأسرهم وبالتالي تشكيل جسد المجتمع ظهر نوع جديد من السرقة يتوجه إلى سرقة مال الدولة، أي المال بعدة صور وأشكال لا يعجز العقل الشرير عن ابتكارها. الغريب أن بعض أصحاب المناصب الرفيعة، والكبيرة، ولا كبير إلا الله سبحانه، وقعوا بين تحديات عظيمة في فضاء الوظيفة العمومية، التحدي الأول استغلال النفوذ وتحصيل فوائد مادية وعينية، واعتبارية، ورمزية من ممارسة الوظيفة العامة، مع استخدام علاقة مرنة وناعمة إلى حد كبير مع الرؤساء والمرؤوسين على حد سواء. والتحدي الثاني يتمثل في استخدام أقصى درجات التحكم في خلق جناح أو تيار داخل المنشأة العمومية يقرب فيه المحاسيب، والاتباع تبعا للولاء، والمعرفة، والصحوبية حتى، على حساب اعتبارات الكفاءة، والخبرة، والتميز العلمي، والعملي. هنا يقع المسئول في خانة الظالم، صحيح أنه لم يسرق بالمعنى العملي ولكنه ربما فعل ما هو أشنع في حق الآخرين الذين حرمهم حقهم الطبيعي في المكانة الوظيفية. في رأيي الذي أتمنى أن يكون غير متطرف هو سارق بمعنى خاص ربما في هذه الحالة. الحالة الثالثة المزاوجة أثناء القيام بالوظيفة العامة بين النسقين السرقة المادية والمعنوية المختلطة بالظلم للآخرين. هذه في رأيي الفضاءات التي نتلمسها في أداء بعض من الذين مارسوا وظائف عمومية رفيعة. الغريب والغريب جدا، أن تعود بعض الوجوه للتواصل مع الناس ولكن بالقناع القديم أي قناع الوظيفة العامة مع محاولة يائسة لاستخدام الجزء الأكثر براءة منه، وعادة ما يعبر بكلمات كبيرة في هذه الحالة مثل إفناء الحياة في خدمة الدولة، والمجتمع، والخروج من الخدمة العامة براحة ضمير وهدوء بال، وأهم من ذلك ذكر نظافة اليد من التلوث باستغلال النفوذ والمال العام، أو ظلم أحد من الموظفين!!
مسارات الحياة تجعل من الصعب مكاشفة كل من تسنم وظيفة عمومية رفيعة بكشف حساب دقيق لما له وما عليه خاصة فيما يتعلق بنزاهة اليد من السرقة بكل معانيها المادية والمعنوية، ومن الظلم للآخرين بكل أشكاله. والأغرب والأعجب أن في المجتمع من الناس الذين في الغالب يكونون حول الشخصية العامة من يتطوعون بتنظيف صفحة ذاك الموظف أو غيره بمديح وإشادة وشهادات مجانية وهم لم يعرفوه إلا عن بعد أو عن طريق علاقات عابرة. السؤال المهم في نظرنا وهو بعد فلسفي كبير هل تريح هذه الشهادات عن بعد الموظف الذي سرق، أو ظلم. هل تعيد له توازنه النفسي والسلوكي، والأخلاقي، وهو في مرحلة ما بعد الوظيفة العمومية الرفيعة المستوى، ومتجه إلى كشف الدرجات الحقيقي المرصود له في السماء؟ أعرف أنه ليس من العقل، ولا من المنطق المقارنة بين السرقة، والظلم كخطيئة يرتكبها الإنسان. ولكن إذا افترضنا جدلا أن المرء خير في لحظة ما بين الخطيئتين فهل يختار جريمة السرقة ويتوب عنها ويسأل الله العفو والعافية منها، بدلا من جريمة الظلم الذي هو ظلمات على صاحبه كما نفهم من سياقات الشرع الحنيف.
الانسان ضعيف في كل حالاته، وهو يمارس سلطة الوظيفة العمومية، وضعيف وهو يخون مقتضيات هذا الموقع، وضعيف وهو يحاول التوبة عما اقترف من سرقة أو ظلم في حق الدولة وفِي حق الناس.
@salemalyami