أتذكر في طفولتي، كيف كنت أتواصل مع أصدقائي في الحي، حينما كنت أرغب في اللعب، أتذكر ندائي على أحدهم، من أسفل شرفته (البلكونة)، أو إلقائي بحجر صغير الحجم على الشباك، إن كان والده أو والدته ممن نخافهم.
ولا أزال أتذكر والدة أحد زملائي في المرحلة الابتدائية، التي كنا نخشاها لدرجة قيامنا بالتهرب من مهمة النداء، خوفاً من أن نصاب بأحد الأسلحة الحذائية العابرة لأبواب المنزل، التي كانت في كثير من الأحيان تخطئ الهدف وتجدها في وجه أحدنا.
أتذكر أنني تواجدت في منزل أحد جيراننا، حينما كانوا يقومون بتسجيل شريط كاسيت يتحدثون فيه إلى والدهم، الذي كان يعمل بإحدى دول الخليج، وكيف كانت المعاناة أثناء التسجيل، بل أحياناً كانوا يتكلمون ولا يتم التسجيل، فيعاودون التسجيل مرة أخرى.
أتذكر الانتظار داخل شركة الاتصالات الحكومية (السنترال) حتى تفرغ إحدى الكبائن من المتصلين؛ وندخل للاتصال على أحد أقاربنا في محافظة غير المحافظة، التي نقيم بها.
لقد استطاعت مواقع التواصل الاجتماعي أن تجعل بإمكان إحدى الأمهات بامتلاكها وسيلة للتواصل متصلة بشبكة الإنترنت أن تقوم بإيقاظ ابنها، الذي يعمل أو يدرس في دولة أخرى، وكأنها تنادي عليه من الغرفة المجاورة، بل وتشاهده وهو يغسل أسنانه -إن كان ممن يقومون بغسل أسنانهم- وتقول له: لقد تأخرت على عملك أو دراستك.
وأن تجعلك تتحدث مع أحد أصدقائك المتواجدين في الولايات المتحدة الأمريكية بالمجان، ولا يسمعك أخوك في الغرفة المجاورة.
وأن تُخبرك بكل ما يحدث في منزلك، وشارعك، ومدينتك، وبلدك في نفس اللحظة، مَنْ تزوج، ومَنْ رزقه الله بالذرية، ومَنْ توفى، ومَنْ نجح في الامتحانات.
ولكن في نفس الوقت، ومع كل هذه المميزات، هناك عيوب وآثار سلبية لمواقع التواصل الاجتماعي، لن أذكرها ولكني سأطرح عليك تساؤلاً: هل تعلم أنك حينما تدخل غرفة نومك لتنام، أو تستلقى قليلاً بمفردك، يدخل معك ملايين البشر ممن هم معك على مواقع التواصل الاجتماعي؟
وحينما تشرع في إنجاز أحد الأعمال وتسمع صوت رسالة أو إعجاب أو أي إشارة على هذه المواقع، ويُجبرك فضولك على ترك ما كنت تعمل لترى ماذا وراء هذا الصوت المزعج والمشتت، الذي يُفقدك تركيزك.
أنا مثلك تماماً ولكنني قررت حينما أقوم بالشروع في إنجاز أحد الأعمال، وأن أدخل لأنام أن أترك ملايين البشر خارج غرفة نومي. وأترك هاتفي خارج الغرفة أو بعيداً عن متناول يدي.
لن أقول لك قم بإغلاقه، فقد حدث مع أحد أقربائي أثناء عمله في اليابان، أن عاد من عمله متعباً فغلبه النعاس، وإذ برسالة على هاتفه تقوم بإيقاظه، وإذ به يقوم بغلق الهاتف تماماً ليعاود النوم، ليفاجأ بعد قليل أن الهاتف يرن وهو مغلق (حدث بالفعل) لتنبيهه أن هناك زلزالا سيحدث قريباً في المنطقة، التي يسكنها.
@salehsheha1