بدر بن عبدالمحسن يملك صندوقا سحريا مملوءا باللآلئ والجواهر الشعرية الناصعة.
تحدثنا في الجزء الأول عن السيناريو والقصة والاستفهامات والبلاغة في نصوصه.
وهنا نواصل سبر أغوار ذلك الشعر الأنيق، متسلحين بما يملكه من هذه اللآلئ.
في القصيدة التالية قصة حقيقية لأحد أصدقاء الأمير بدر الذي أحب امرأة وأحبته، ثم رآها من بعيد صدفة في جنيف... طلبت منه أن يلتقيها قائلة له:
«عطني من أيامك نهار
وباقي العمر للي تبي»
وعندما علم البدر بالقصة أنشد:
«لا تسرق الوقت من غيري
أنا ما بي زمن غيري
لا تسرق العمر يا طيري
مدام قلبك لحد غيري
عطني من أيامك نهار
وباقي العمر للي تَبي»
قدرة البدر على توظيف القصة في النص رائعة، فقد التقط عبارة من الحبيبة وأسقطها على القصيدة بشكل جميل.
ولن ننسى الوطن الذي لم ينسه مهندس الكلمة، ولعل (واسطة العقد) في قصائده الوطنية هي تلك المعزوفة الخالدة التي تتردد على أسماع وألسنة الناس في كل وقت:
«فوق هام السحب
وإن كنت ثرى
فوق عالي الشهب
يا أغلى ثرى
مجدك لقدّام وأمجادك ورا
وإن حكى فيك حسادك ترا
ما درينا بهرج حسادك أبد
أنتي ما مثلك بهالدنيا بلد
والله ما مثلك بهالدنيا بلد»
يؤكد البدر أن هذا الوطن (فوق) هام السحب وعالي الشهب وإن كان (تحت)
وهنا يمكننا أن نقول أن «الضد يظهر حسنه الضد». فهو استهل القصيدة بـ «فوق» وأعقبه بـ «ثرى» ثم «لقدام» و«ورا».
يرسم الشاعر في بداية هذه القصيدة صورا فنية متعددة، فهو يصعد بنا لهام السحب وعالي الشهب، ثم فجأة ينتقل إلى الحساد في الأرض ويعلمنا أنه حتى هرج الحساد لم نعلم به أبدا «مادرينا بهرج حسادك أبد».
شاعرنا يعشق الرحيل في جماليات الوطن فهو هنا وكما أكد تعددية المحطات سابقا في قصيدة حدثينا، بدأ بنجد أيضا في قصيدة فيها مزج بين الوطنية والغزل، وطار إلى عسير ومن هناك حط على «الشط الحرير» في جدة، وتمنى أن يكون نفحة من الأريج في الشمال وموجة خليجية... سيناريو رائع... يقول:
طال بي وجد قلبي.. يا هوايا
يا دفا نجد.. في عيون الصبايا
ليتني نسمه.. على عالي عسير
او على جده.. على الشط الحرير
ليتني نفحة اريج عطرت ريح الشمال
ليتني موجة خليج ترتمي فوق الرمال
تنثر الشوق الطويل
ما اطولك ليل.. ما اطولك
وفي البعاد والانتظار وسرقة النهار من العيون... معاناة من الحبيب، فهل هو يعاني حبا من الوطن أم من الحبيب أم ماذا؟
«ما أطولك ليل.. ليل البعاد والانتظار
ما أطولك ليل.. سارق من عيوني النهار
ناسي زمانك.. يا شجوني
عارف مكانك.. في عيوني
ما أطولك ليل.. ما أطولك
يا ليل أنا ربعي هناك
وداري ورا الدمعة وراك»
الليل صديق في فكر البدر... يخاطبه ويذكره بالجرح الذي تركه له... يذهب إلى النقيضين (الندى والنار)، وكل هذا التعب لأن حبيبه (خذاه) الموعد الثاني.
«صديق الليل لو تندم
على جـرحٍ تركته لي
لأنسي قلبك المسكين
حبيبا جرّحك قبلي
ولكن سكتك تحتار
أبد بين الندى والنار
ولا منه قضى المشوار
خذاك مشوارك الثاني»
هذا هو البدر... نصوصه تبث الوجد والقصص والغموض الساحر وتطرح الأسئلة، و...
«جميل هو النص الذي يزرع في رئتيك السؤال».
@karimalfaleh