أنت بحاجةٍ إلى إجراء عملية جراحية، والعملية فظيعةٌ جداً ومؤلمة، وليس بمقدورك تسكين الألم بالمخدر، ولكن نسبة نجاح العملية عالٍ جداً، وحالما تنتهي من هذه العملية، تحصل مباشرة على دواءٍ فعّال يمسح بالكامل ذكرى العملية، بالإضافة إلى الساعات التي سبقتها، تفيق فجأة في سرير المستشفى وأنت لا تتذكر البتة حتى الطريقة، التي أدخلتَ بها إلى تلك الغرفة، وكل ما تبقى لك هو سؤالك الممرضة: هل خضعتُ إلى العملية؟
تُخبرك الممرضة بأنها تعلم يقيناً بأمر مريضين، أحدهما خضع للعملية ليلة البارحة لمدة عشر ساعات فظيعة، والآخر سيخضع يوم غدٍ لعملية مدتها ساعتان فقط. المشكلة أن الممرضة لا تدري أي المريضين أنت!!
الآن: ما هو موقفك؟ بعبارة أخرى أي المريضين تتمنى أن تكون؟
أعتقد أن رأي الأغلبية العظمى سيكون اختيارها المريض الأول، الذي أجرى العملية وانتهى، وذلك هرباً من ويلات الألم وأوجاعه. ولو دققنا وأمعنّا النظر قليلاً لوجدنا أننا اخترنا ثماني ساعات إضافة من الألم تحت مبضع الجراح وطنين الأجهزة ورحمة الله مقابل أن يكون كل هذا قد مضى وأصبح من الماضي!! مع أن المنطق يقول اختيار ساعتين بسيطة هو الاختيار الأصح. فما تفسير هذه الازدواجية من وجهة نظرك؟ هل الألم يختلف بحسب موقعه من خط حياتنا الزمني؟
هنا وضعت لكم نفس المثال، الذي وضعه البروفيسور ديرك بارنيت فيلسوف جامعة إكسفورد العريقة عندما حاول أن يجد تفسيراً لهذا التحيز للمستقبل. كما أجاد البروفيسور كاسبر هير في تمحيص هذا التمايز بحسب قرب الشخص لك، لو كانت المسافة بينكما عاطفياً ليست بقريبة لتمنيت العملية الأسرع، ولو كان ذلك الشخص بقربك أكثر وأنت تشد على يده ليتماسك من شدة الألم لاخترت له عملية العشر ساعات فقط بسبب أنها قد ولت ومضت وأنهت معاناة مَنْ تحب.
لا توجد بوصلة واضحة. كلنا يعيش الآلام بين الماضي والمستقبل، الماضي الذي لا نملك تغييره، ولا المستقبل الذي نعلمه. نتحيز مرة للماضي إن حمل معه الألم ورحل، ونتحيز أخرى للمستقبل إن كان يحمل الأمل حتى إن كان مزيفاً. ويسقط الحاضر بينهما، الحاضر الذي نملكه في معادلة صعبة الفهم. أنهي مقالي هذا وأنا مازلت أبحث عن إجابة، فهل تملكها أنت؟
@A_SINKY