بغض النظر عما يبدو تبلدا في حس دي بوفوار، لكن الحياة مضت بمن رحلوا وجاءت بمن أتوا، وهذا ما يمكن أن نراه من تداعيات جائحة فيروس كورونا التي لا تزال تزحف بالموت وتطرق به كثيرا من الحيوات ويتوقف معه حال البشرية، وخلال هذا العام لطالما ظللنا نذرف الدموع على أحباء فارقونا بعد أن اختطفهم موت كورونا، ورأينا مشاهد المأساة في كثير من مجتمعات العالم.
هذه السنة، 2020، سنة للنسيان، فهي لم تحسب في «كالندر» حياتنا، الجميع يريدها أن تعبر وتمضي، كلنا أصبحنا سجناء الجدران والإحساس المظلم بالألم والخوف.. لقد تجاوزت وافدة إسبانيا فيما سبق، و«كوليرا» الكولومبي ماركيز، لقد تجاوز سقف الألم والرهق في زمن الكورونا ما يفوق كل متاعب البشر عبر تاريخهم.
ليس هناك أسوأ من أن تترقب زائرا مثل المرض، وقد عبّر عن ذلك بصورة إبداعية الشاعر المتنبي حين مسته الحمّى ليقول: وزائرتي كأن ليس بها حياء، وكذلك الكورونا التي تجتاح عالمنا، لذلك حين نتمسك بالأمل للعبور والنجاة فإننا نمنح أنفسنا طاقة إيجابية تستدعي إرادة الحياة لنقاوم ونهزم خوفنا ومخاوفنا، فليس المرض ما قد يقتل وإنما فقدان الأمل والاستسلام للألم.
تجربة البشرية مع كورونا بكل التراجيديا التي فيها صفحة قاتمة ومظلمة في التاريخ الإنساني، ورغم تقدم الطب وقوة الاقتصادات إلا أن ذلك لم يكن فعالا حتى الآن وعلى مدار عام كامل في تحقيق انتصار على متاعب الجائحة، وهنا تبرز الدروس والعبر التي ينبغي أن ننظر فيها على الصعد الفردية الشخصية والمجتمعية.
يكون البشر أقوى حين يلتزمون بإرشادات المختصين فيما يجهلونه، وذلك ما بدا واضحا في مقارنة التجربة السعودية في إدارة أزمة الجائحة مع دول أوروبية ظلت تنزف بسبب عدم الالتزام، وكذلك الالتزام بالتعاون والعمل الجماعي في مواجهة الكوارث والأزمات، ففي مثل هذه الحالة يصبح جميع البشر في سياق إنساني واحد لا تفرقة فيه، فهي إحدى لحظات الحقيقة النادرة التي تغوص داخل الجميع.
لن يكون العالم بعد كورونا مثل ما كان الحال قبله، فإذا أراد البشر عبور النفق عليهم أن يتكاتفوا وأن يكونوا أكثر التزاما ورغبة في الحياة بصورة منظمة، وليست عشوائية تتمرد على القيود التي تكبلهم تحت أي ظرف، فالقيد في حقيقته كان من الجائحة وليس غيرها، ومن التزم القيد قلل أضراره، ومن تمرد زادها، وذلك الدرس الجماعي البشري الأهم حين نكون غير مستعدين ونحن في حالة انكشاف صحي أمام مجهول.
@sukinameshekhis