لأكثر من سنة وأخي يضطر للسفر بعيدا من أجل مُتابعة إجراءات وظيفة تقدم لها، وفي كل مرحلة يُسافر من أجل اجتيازها تُسافر معه روح أمي وقلبها ودعواتها بأن يحميه الله من مخاطر الطريق وأن يُيسر أمره..
اجتاز أخي كل المراحل بشكل ممتاز، فهو تخصص مُحاسبة وتقدم لوظيفة لا تحتاج سوى الثانوية، ولكنه يُريد أن يجد عمل فليس مُهمًا أن يأخذ ما يُناسب مؤهله (فالرزق صعب) كما تقول العرب..
قبل أيام وصلته رسالة بالقبول النهائي، باركنا له جميعا، وسافر ومعه الوثائق الأصلية ليُنهي إجراءات الوظيفة..
بعد يوم من سفره، اتصلت عليه لأطمئن عليه، بادرته بمزحة (هاه لا تتكبر علينا، جهّز لي قرض من البنك أبي سيارة)، لأول مرّة صوت أخي يتهدّج ويتكّسر، صوته يكاد يختنق، وبصعوبة قال (أنت تبي المزح، يا أحمد طردوني !)، فهمت منه أنه اضطر للوقوف بالشمس من الصباح إلى الساعة الثالثة عصرا، ليقولوا له نُريد إعادة المُقابلة وفحص اللياقة!!، ثم دخل مُقابلة ليسأله أحدهم عن عاصمة السودان وعاصمة اليمن، وطلب منه قراءة آية الكرسي وسورة الكافرون، وكذلك ترديد النشيد الوطني، تجاوزها بنجاح..
ثم قال له اقرأ سورة الماعون !؟ ولا تُخطئ فيها قُل لا أعرف وسأطرح عليك سؤالا بديلا، قال أخي لا أعرف، ببساطة رد عليه انتظر في الخارج، بعد ساعة أتاه الرد أنت مرفوض !!
من كسر روح أخي وحطّم طموحه !؟
شاب ولأكثر من سنة يُعرّض نفسه للأخطار في الطريق ويخسر من صحته ومن مالٍ يصعب علينا نحنُ الفقراء الحصول عليه يتم رفضه بمُقابلة كهذه !!
من أبكى أخي وكسر روحه وحال بينه وبين رزقه ولم يحترم تعبه وجهده ولم يُفكر في أُمٍ تنتظر لحظة أن يحيا آخر أبنائها حياة طيبة، كيف له أن ينام في تلك الليلة دون أن يُفكر في أن ما فعله لا يمكن أن يُعتبر حقا ومنطقا !!
لم يبكِ أخي وحده، لقد بكيت معه، وبكت أُمي، شاركناه حزنه وغصته، لقد زُرع في قلوبنا حُزنٌ كبير ويأسٌ أكبر..
أخي تنازل عن مؤهله في تخصص المُحاسبة، وارتضى عملا يحتاج شهادة أقل، ارتحل بعيدا عن أُسرته، التزم بكل مواعيد مراحل القبول، كل هذه الأشياء من أجل أن يعمل، ما حدث مع أخي خطأ، يجب ألا يتكرر، والشعور الذي يعيشه أخي الآن لا أتمناه لأحد أبدا..
أخيرا..
ما حدث مع أخي في هذه المُنشأة سبق أن واجه مثله في مُنشأة أخرى، عندما نجح في الاختبار والمُقابلة وعند موعد استلام أوراق فحص الطبيب ببساطة كان الرد (تم إلغاء التوظيف ! لا نحتاج !!!)، لا أحد يطلب المُستحيل، فقط تذكروا أن هؤلاء الشباب لم يسافروا ويتعرضوا لمخاطر الطريق رفاهية وطربا، بل بحثا عن حياة..
ahmadd188d@gmail.com