المتتبع لمسيرة مجلس الشورى السعودي ومنجزاته عن كثب أو من خلال التقارير الصادرة عن أمانته العامة أو المتابعة الإعلامية، لا بد أن يصل إلى نتيجة مفادها بأن تجربة المجلس هي من أنجح التجارب البرلمانية في المنطقة والعالم، ويتضح ذلك من خلال الدور الذي يقوم به في بحث ومناقشة القضايا التي تهم الوطن والمواطن، والرقابة واقتراح الأنظمة أو التعديل عليها في شتى مجالات الحياة، بما في ذلك الخدمات المقدمة للمواطنين. ولتوضيح ذلك، يمكننا استعراض منجزات هذا المجلس في السنة الأخيرة من عمله قبل إعادة تشكيله الأسبوع الماضي بأمر من خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله ورعاه-، وهي أعمال يتعذر استحضارها بالتفصيل في مثل هذا المقال، وربما يكفي أن أشير إلى المجالات التي تناولتها قرارات المجلس، لنلاحظ أن هذه القرارات شملت كافة المجالات الهامة للعمل الحكومي داخلياً وخارجياً، كما يتضح للمتابع أن المجلس أعطى اهتمامات المواطنين واحتياجاتهم الأولوية المطلقة في هذه القرارات والتوصيات، حيث إن المجالات التي شملتها أعمال المجلس خلال العام الرابع والأخير من فترة ولايته، هي الشؤون الإسلامية والقضاء، والخدمات الصحية، والتعليم والبحث العلمي، والاقتصاد والطاقة، والإدارة، والموارد البشرية، والثقافة، والسياحة والآثار، والحج، والإسكان، والخدمات والنقل، والاتصالات وتقنية المعلومات، والزراعة والمياه، والشؤون الخارجية، والأنظمة واللوائح، والشؤون الأمنية، والعلاقات الخارجية، وغيرها من الموضوعات.
ولو حاولنا استقصاء القرارات والتوصيات المتعلقة بكل مجال من هذه المجالات والتي بلغ عددها حوالي ثلاثمائة قرار وتوصية تقريبًا، فسوف يتعذر ذلك لضيق المقام، لكنه يمكن لكل مهتم أن يتابع ذلك من خلال تقارير المجلس التي تحدد التوصيات والقرارات المتخذة في كل مجال من هذه المجالات، والتي يتضح من خلالها أن المجلس أحاط بكل ما يمكن عمله لصالح المواطنين، وخاصة في سبيل تطوير الخدمات وتحسينها وبلوغها أعلى مستويات الجودة والإتقان.
إن ما ذكرنا ليس هو كل المجالات التي اتخذ المجلس قراراً بشأنها بل أكثرها، إضافةً إلى أننا لم نستعرض ما يتعلق بكل مجال على حدة، ومع ذلك فإن ما ذكرناه يؤكد الدور البرلماني الفعال الذي يقوم به المجلس، والذي يتعزز يوماً بعد يوم. وبمناسبة صدور الأمر السامي الكريم بإعادة تشكيل المجلس يوم الثلاثاء الماضي يمكن القول إن استعراض أسماء الأعضاء يوضح أن جميعهم ودون استثناء من الأكاديميين والمتخصصين وأصحاب الخبرات والكفاءات في كافة المجالات بدون استثناء، ويتضح من خلاله أيضاً حرص ولاة الأمر في كل مرة يعاد فيها تشكيل المجلس على تجديد الدماء، وإضافة المزيد من الخبرات، مما يزيد في فاعلية هذا المجلس ومشاركته في سياسة الدولة ومناقشة خطط عملها وبرامجها في كل المجالات الخدمية والاقتصادية والبشرية والتنظيمية، والاستفادة من هذه الخبرات التي اكتسبوها عبر مسيرتهم العملية، ومن خلال ممارستهم المسؤوليات التي تحملوها قبل دخولهم العضوية في المجلس، وهي التي أهلتهم لهذه العضوية، كما نلمس أيضاً في التشكيل الجديد حرص ولاة الأمر على وجود المرأة وممارستها لدورها إلى جانب أشقائها الرجال، خاصة وأن المرأة السعودية أثبتت منذ أتيحت لها ممارسة هذا الدور قدراتها وأهليتها للمشاركة في الحياة البرلمانية بكل كفاءة، بل إن الملاحظ كذلك أن المرأة تولت في هذا المجلس منصب مساعد رئيس مجلس الشورى لأول مرة من خلال تعيين الأستاذة حنان الأحمدي في هذا المنصب، ولا شك أن هذا التعيين هو تقدير واعتراف لهذا الدور الواضح والمؤثر في الحياة البرلمانية، إضافة إلى ملاحظة تعيين الدكتور مشعل السلمي نائباً لرئيس المجلس، وهو الذي عرف عنه الخبرة والكفاءة التي نتج عنها اختياره رئيساً للبرلمان العربي وممارسته لهذا الدور؛ هذا الاختيار الذي يؤكد في الوقت نفسه مكانة المملكة في كافة المؤسسات والمنظمات الدولية والعربية والإسلامية. وكما كان دور المجلس منذ تأسيسه هاماً وضرورياً فهو في المرحلة القادمة لن يكون إلا كما وصفه رئيس المجلس الشيخ عبدالله بن محمد آل الشيخ بأنه في غاية الأهمية، خاصة وهو يجيء في وقت تتوالى فيه المستجدات المحلية والإقليمية والعربية، مما يعزز أهمية هذا الدور بالتعاون مع مؤسسات الدولة كافة في مواجهة هذه المستجدات وتوظيفها لصالح الوطن والمواطن -بإذن الله-، وكذلك ما ينتظر المجلس من مهام في تهيئة البيئة الإدارية والتنظيمية والمالية والمادية الإنسانية للمشاركة والإنتاج ومواصلة السير بخطى حثيثة نحو تحقيق رؤية المملكة 2030، والوصول للمزيد من الإنجازات والمكتسبات الوطنية إلى جانب المحافظة على ما تم تحقيقه منها في بناء الإنسان السعودي، وتوظيف الموارد البشرية والكفاءات الشبابية بما في ذلك النسائية منها لإنجاز خطة التنمية الشاملة التي تضعها الدولة، وتعمل بكل إخلاص على تنفيذها في كافة المجالات والله الموفق.
Fahad_otaish @