حتى قبل أن يتم تصنيف جائحة كورونا كوباء عالمي في بداية العام، كانت تلوح في الأفق إرهاصات تباطؤ اقتصادي طال أكثر دول العالم تباين تأثيره بحسب كمية المخاطرة، التي تبنتها الدول في استثماراتها. ولقد كانت بلادنا بفضل الله مثالا يحتذى في التكيف مع تلك التقلبات بسبب ما تبنته من توازن استثماري حصيف تشهد به القراءات الاقتصادية على أرض الواقع.
ومع تفاقم الجائحة عالميا وتناقص المداخيل المالية، وجد أصحاب الأعمال أنفسهم، فجأة ودون أي مقدمات، في مواجهة تحدٍ وجودي يقتضي إيجاد حلول سريعة إبداعية للحد من النفقات بطريقة سليمة لا تؤدي إلى نتائج عكسية أو تقليص في المواطن الخطأ، حيث إن الظرف لا يحتمل القرارات المتسرعة ولكنه يتطلب اتخاذ إجراءات حاسمة وسريعة نلقي الضوء على بعضها.
لعل من الأهمية بمكان البداية بعمل مراجعة شاملة وشفافة للمصاريف من قبل فريق داخلي محايد للخروج بتحليل مفصل لمواطن الصرف الحالية، التي لا بد منها لضمان الحد الأدنى من أعمال المؤسسة. ولعل الظروف الآن مواتية للتأكد من تفعيل نظام محاسبي دقيق يضبط حركة المال والمردود من الأصول الحالية ومدى الحاجة للاحتفاظ بها.
وبما أن 80% من الأرباح تأتي من 20% من الأنشطة، فإنه من الأهمية بمكان النظر في إمكانية إلغاء بعض الأنشطة، التي تتطلب استثمارات بشرية أو مالية ولا يكون لإلغائها عظيم أثر على عمل المؤسسة. أشار عالم الإدارة بيتر دراكر إلى أهمية هذه المتابعة بمقولته الشهيرة «ما لا يمكن قياسه لا يمكن إدارته».
بصفة عامة، تعتبر الموارد البشرية أكبر مصادر الصرف في المؤسسات، حيث تمثل في المتوسط ما يقرب من 70% من تكاليف العمل. لذلك تعتبر هذه الأزمة فرصة لإعادة النظر في ممارسات الموارد البشرية الحالية، حيث ثبت مثلا أن توظيف المتخرجين الجدد المتحمسين أفضل وأقل تكلفة للمؤسسة من الخبراء المتمرسين، الذين درجوا على طبيعة أداء معينة لا تتناسب مع تغير طبيعة الأعمال في هذه الفترة. ولا يفوتنا أن ننوه إلى أهمية تأجيل التوظيف غير الضروري حتى تتضح معالم المستقبل بشكل أفضل. وبذلك يمكننا أن نعتبر هذه الأزمة فرصة لإعادة النظر في ممارسات الموارد البشرية الحالية مثل تقييم تحويل الموظفين من الدوام الكامل إلى الجزئي واستخدام المتعاقدين المستقلين والمواقع الإلكترونية الخاصة بالخدمات العامة مثل أعمال الكتابة والسكرتارية والبحث مما يمنح الفرصة للوصول لخيارات عالمية أفضل وأقل تكلفة.
تأتي المشتريات عادة في المرتبة الثانية من حيث تكاليف التشغيل.
ولا نغفل هنا بعض الإجراءات العامة، التي قد تساهم ولو بقدر يسير في توفير النفقات. منها مثلا تحسين العزل الحراري للمباني واعتماد أنظمة تكييف تبرمج حسب ساعات العمل، التي تمثل ما لا يقل عن 70% من فاتورة الكهرباء. وعلى نفس الصعيد الحرص على إطفاء الأجهزة غير الضرورية خلال المساء مثل الكمبيوترات والأجهزة المكتبية، وكذلك تخفيض استهلاك الورق مثل تشجيع الطباعة على جهتي الورقة، تصغير الخط، تقليل الهوامش والأفضل من ذلك استخدام أدوات العرض التقنية بدل استهلاك الأوراق. قد يبدو تأثير هذه الإجراءات محدودا، لكن تطبيقها يمثل رسالة واضحة للجميع بأهمية مراقبة النفقات خلال هذه المرحلة.
ختاما لا بد من الإشارة إلى أهمية الحفاظ على الروح المعنوية لدى الموظفين خلال الأزمات، فهم أيضا يرزحون تحت ضغوط وتحديات شخصية مشابهة للذي تواجهه المؤسسات، ولكنهم في نهاية الأمر من يصنع الفرق في مساعدة الإدارة في التيقظ لأمثل الأساليب لتحقيق الأرباح بأقل التكاليف.
ومَنْ قام عن قرصه احترق.
@tamimmatouk