سمعتُ قولا يذكر أن سكان الشرق هم المهتمون باقتناء الساعات الثمينة، ومع ذلك هم الأقل انضباطا في حسبان الوقت والمواعيد. فالواحد منهم يمنحك موعدا لتناول وجبة غداء معك في منزلك، ثم لا يحضر إلا قُبيل العصر، و«يرْكِز» الضيوف الآخرون يشربون لترات من القهوة والشاي بانتظاره.
وأول ساعات معصم جاءت إلى بلادنا كانت ماركة «أم صليب» ويسْتنْد السويسرية، ومن يقتنيها يجعلها تلمع في يده يُباهي بها الأقل حظا. وكانوا في المعابر لا يسمحون بمرور من يلبس ساعة أم صليب بالمرور إلا بعد الرمز بمسمار يهيّئونه له رجال الجمرك، وإذا رفض المسافر صادروا الساعة (بموجب محضر) وتركوه يعبر.
والملاحظ أنه إذا توفرت السلعة (والساعة سلعة) وأمكن اقتناؤها من قبل عامة الناس، نشأت عند البعض مهارة إصلاحها، بوصف هذا نتيجة لازمة أو منطقية تترابط مع وجودها. وانطبق هذا على الساعات..
ويذكر الكثير منا ساعات الجيب. وهي نوع من الساعات القديمة التي يربطها المستعمل بخيط يعلقه في رقبته ويترك الساعة في جيب الصدر.. حتى أن الأخير سمى «جيب الساعة».
ويستعمل ساعات الجيب قديما أهل الغنى والوفرة. وربما رأيناها مع مؤذني المساجد، الذين كان على الواحد منهم أن يضبطها يوميا على مغيب الشمس، لاختلاف التوقيت الغروبي في الفصول. وكثرة تعبئتها اليدوية.. وإعادة ضبطها على التوقيت الغروبي وهذا سبب تعرضها إلى الخلل.. أو العلة.. أو العيب، ولزوم وجود دكان أو أكثر لإصلاحها.
ومن هذا جاءت مهنة «مصلّح الساعات».. وأذكر أنه كان عندنا في عنيزة رجل ماهر يقوم نشاطه على العدد المحدود من ساعات الجيب، واحتار في أمره عندما ملأت ساعات المعصم الأسواق، لأنه لم يعْتدْ على فتحها ولا يملك العدة الدقيقة.
ومع هذا فالرجل مشغول بنشاطه متصل الحركة.. منهمك في إنجاز مواعيد الاستلام والتسليم..
وساعات اليد.. معقدة وعسيرة الإصلاح. ولا بد من تعبئتها يدويا مرة كل أربع وعشرين ساعة. وربما اعتذر المصلح المحلي عن قبول إصلاحها.
ومن عادة العاملين في الظهران، التابعين لشركة أرامكو - آنذاك - أن يأتوا لزيارة عوائلهم في عنيزة ويقضوا شطرا من الصيف هناك.
والدال على صفاتهم المميزة لبس ساعات اليد. لكنهم، عند انتهاء العطلة يعرضونها للبيع، لتوفير مصاريف إضافية لعوائلهم أثناء غيابهم، ريثما يقبضون الراتب الجديد الذي عادة يجري إرساله إلى العائلة.
بعض النازلات تضطر المرء لأن يبيع ساعته ليأكل من ثمنها في أيام العسر
قال الشاعر اللبناني الساخر، طانيوس عبده:
كان لنا فيما مضى ساعة
تأكلُ من أيامِنا ما حَلا
عاقبها اللهُ بنفْس الجزا
فاليوم بعناها لكي نأكُلا
A_Althukair@