نقل لي مسئول متقاعد عمل في إحدى سفارات المملكة العربية السعودية في أوروبا في الفترة ما بين العام 2000 -2004 بوظيفة نائب رئيس البعثة ومستشار للشؤون الإعلامية، القصة التالية، قال: إنه في أحد أيام يناير الباردة وصل إلى مقر السفارة ذات صباح رجل من أصول لاتينية يقيم في ذلك البلد الأوروبي حيث مقر السفارة، الرجل طلب من أعضاء الاستقبال، والحراسة الخارجية مقابلة السفير.
أبلغ السفير بطلب الرجل فسأل عن طبيعة الموضوع الذي جاء من أجله. فقال إنه يريد التحدث إلى السفير بشأن كتاب سيصدر قريبا يتطرق لحياة شخصية رسمية في الحكومة السعودية. السفير فورا حول الرجل القادم للقاء الموظف المختص وهو من يروي القصة، وأخبر عند دخول الضيف عليه أنه طلب منه عرض الموضوع الذي جاء من أجله، فقال الرجل، وهو يخرج ورقات مكتوبة في ملف شفاف ويضعها على طاولة الموظف: هذه مختصرات لبعض فصول الكتاب حول فلان الفلاني الشخصية السعودية المعروفة، والكتاب يتحدث عن فضائح الرجل، وتصرفات أسرته، والمطلوب مبلغ مالي منه أو من الحكومة إذا أرادت بما يوازي أرباح بيع الكتاب وتكاليف الكتابة والطباعة، والنشر. لكي يتم إيقاف النشر. بعد أن أنهى الضيف حديثه أكد أن الورقات التي قدمها للموظف يمكنه الاحتفاظ بها وفيها اسمه الكامل ورقم هاتفه والمكان الذي يقيم فيه. وعند دخول الرجل اطلعت نقطة الحراسة على بطاقة هويته ووجدت أنه مكتوب فيها في خانة المهنة: عامل أمن. المفيد أنه تم اتخاذ كل الإجراءات الضرورية لإنهاء حدث الزيارة كمعاملة رسمية وخلال أيام بسيطة كانت على مكتب مسئول كبير في الدولة، وشرح عليها عندما عرف اسم الشخصية المستهدفة، فلان ليس هذا من أعماله، أعيدوا الورق إلى صاحبه، ودعوه يكتب، ويطبع وينشر بيديه، ورجليه.
ومرت أيام بسيطة وأعيدت الأوراق للرجل على عنوانه وكان قد ذكر أنه عمل بحراسة الشخصية المذكورة لسنوات هي حصيلة الكتاب المزعوم. ومرت الأيام، والأشهر، والسنون ولم ينشر شيء عن الموضوع.
استحضر هذه القصة مع الضجة المفتعلة التي تقف خلفها أطراف معادية للمملكة وقيادتها وأمنها واستقرارها التي دفعت عبر الأموال الطائلة بصحفيين مغمورين كتبا يوما مقالا في الواشنطن بوست ينال من سمو ولي العهد - حفظه الله - بشكل مبتذل وتافه، فتحمست الذهنية الجاهلة عن فكرة وهي أن يطور المقال والذي كان بنفس الاسم الدم والنفط ليصبح كتابا. بهدف مزيد من الإحراج، على حد زعمهم عن طريق ملء الكتاب التافه بقصص وأحاجي مختلقة وملفقة بشكل غير مهني يبين غباء وسذاجة من وجه ودفع التكاليف، وسخافة من كتب وأعاد وزاد في قصص غير ناضجة.
ما يمكن أن يضاف هنا كسبب لهذا الوسخ الذي يقذف به في طريق المملكة وقيادتها هو أن شكل العلاقات الإقليمية يمر بمرحلة سيئة جدا تعكس حالة غير صحية أبدا في تاريخ علاقات دول المنطقة، حالة ربما لم تشهدها المنطقة من قبل.
وفي كل الحالات يمكننا التأكيد أن الحرب على المملكة بهذه المنتجات قديمة، ولعل العلاج الناجع لهذه الحروب التافهة تجاهلها بالكامل، وتوعية الناس بسطحيتها وخلوها من المضمون.
كتاب الدم والنفط جهز لعرض الملخصات المسربة منه على مجموعة من منصات التواصل الاجتماعي وتم استئجار وجوه يزعم أصحابها بأنهم كتاب ومحللون ومختصون بشؤون السياسة والعلوم السياسية وأخذوا يكررون نفس الجمل الخالية من المعنى والتي تؤكد أن أفضلهم نائحة مستأجرة تقبض باليورو والدولار والفرنك السويسري. ولو كان لي من أمر السماح بدخول الكتاب المشار إليه مترجما إلى العربية لسمحت ببيعه في السوق المحلية بشرط أن تضاف إلى العنوان وعلى صفحة الغلاف الأولى كلمة أكاذيب قبل كلمتي الدم والنفط. ليقيني بأنه سيكون فريسة لغبار الزمن على الأرفف.
salemalyami@