بحثت في وقتٍ سابق عن نجار لتنفيذ بعض الأعمال في مكتبي الصغير، سعيت في البداية أن أجد سعودياً يعمل في هذا القطاع من باب الدعم والتحفيز. وجدت شاباً لديه بعض الأعمال الرائعة وتواصلت معه وكان بيننا لقاء قصير، في نهايته سألته عن عمله في النجارة ودافعه في ذلك سواءً كان هواية أم حاجة.
أجاب بأنه كان يعمل فيها هوايةً وكدخل ثانٍ يواجه به الحياة بجانب وظيفته الحكومية، بدأ بمحل صغير لا يتجاوز الستين متراً يمارس عمله في أوقات فراغه. لكن على حد قوله واجه سيلاً عارماً من الأعمال، التي أجبرته أن يستأجر المحل الذي بجانبه في أول ستة أشهر ثم افتتح ورشة تصل مساحتها إلى 300 متر في نهاية السنة الأولى.
بعدها قدم استقالته من عمله وأصبح يمارس هوايته كعمل يومي ودخل رئيس في حياته، يعمل معه فريق من العمالة لمساعدته في تنفيذ الأعمال لزبائنه الذين يتضاعف عددهم يوماً بعد يوم. لأنه سوق كبير استحوذ عليه العمالة الذين يفتقدون الحس الفني لذوق ورغبات المجتمع، مما جعل هذ السعودي الخيار الأول لكثيرٍ من الزبائن.
يتداول المجتمع عبارة عميقة في تفاصيلها «حرفة باليد أمان من الفقر»، جانبها الإيجابي أن العمل باليد يبني حاجزاً بين الفرد والفقر بتوفيق الله، لكنها ربطت ذلك فقط بالأمان من الفقر وليس الانطلاق بقوة في الحياة.
ولأن قواعد اللعبة تغيّرت في القطاع التجاري بالمملكة من كل النواحي، من خلال دخول الشباب السعودي سوق العمل بكل عنفوان، فإن الحرف اليدوية أصبحت منجماً للرزق يجنيه من بدأ العمل فيه بمجالات النجارة والحدادة والألمونيوم والتصميم والحلويات والجوالات وغيرها. تبدأ ببداية بسيطة ومع مرور الوقت يزداد المشروع احترافية وحجماً.
يزيد من ذلك أن المجتمع أصبح منفتحاً لرؤية الشبان والفتيات السعوديين في قطاع العمل، بل أصبح محفزاً ومشجعاً لكل من يرونه يعمل في القطاع التجاري. ساهم في ذلك قرارات وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، الرامية إلى فرض أنظمة صارمة تساعد السعوديين على زيادة حجم المجالات التي يعملون فيها، إذ نرى بين فترةٍ وأخرى سعودة قطاعات جديدة بنسبٍ معقولة تزداد مع مرور الوقت، بهدف أن لا يكون هناك ارتباك يصيب التجار في أعمالهم وتجهيز السعوديين بشكلٍ كامل.
واقعاً حينما ننظر لوهلة إلى أبرز التجار في المملكة فإن بداياتهم كانت بحرف يدوية، تطورت وتوسعت حتى أصبحت شركات عملاقة يشار إليها بالبنان. كان ذلك قبل النهضة المدنية التي جعلت الفرد السعودي يبحث عن وظيفة مكتبية، لكن هذا المسار بدأ بالعودة إلى السابق من حيث فتح وتشجيع السعوديين إلى دخول المجالات الحرفية.
وحتى نكون أكثر واقعية فإن رغبة الفرد لا تعتبر كافية لتحقيق هذا الهدف بالطريقة التي نتحدث عنها، وإنما يحتاج إلى دعم القطاع الحكومي لمن يريد دخول هذه المجالات بتقديم القروض الحسنة لتطوير الأعمال في حال توافر الموهبة والرغبة. وأيضاً تقديم النصائح والجلسات الإرشادية لتطويرهم ودعمهم، وتذليل العقبات التي قد يواجهونها نحو تحقيق أهدافهم والوصول إلى طموحاتهم.
ولكل شاب أو فتاة لم يجد طريقاً نحو الوظيفة: انطلق بحرفة تعمل بها وتستطيع فيها أن تحقق دخلاً مالياً، تعلّم شيئاً تنفذه بيدك وتقدمه للآخرين كخدمة وحاجةٍ لهم. ابحث عن شيءٍ يتناسب مع ميولك واهتمامك وستجد نفسك تتطور وتتقدم يوماً بعد يوم، حينها ودون أن تشعر ستبني تجارةً كبيرةً تراها بعينيك وتكون فخوراً بها.
fares2232 @