الوطن في اللغة هو منزل الإقامة، وفي لسان العرب، الوطن: المنزل تقيم به، وهو موطن الإنسان ومحله، وأوطن فلان أرض كذا وكذا: اتخذها وطنًا، أما في الاصطلاح: فالوطن هو البلد الذي وُلد فيه الإنسان أو الذي اتخذ فيه بيتًا يأوي إليه، ويقيم فيه إقامة دائمة. أما الوطنية فهي العواطف القوية التي يُحس بها المواطن نحو وطنه، والرابطة الروحية التي تشدّه إليه، ومع ذلك فإنه يمكن القول إن الوطنية لا تقف عند الحب الغريزي للوطن والحنين إليه، بل هي بذل أقصى جهد يستطيعه الإنسان لحفظ أمنه، ورفعة شأنه، والتضحية بالغالي والنفيس للدفاع عنه، والمحافظة عليه، ولا يتعارض هذا المفهوم للوطنية أبدًا مع انتماء المسلم لدينه وأمته، فالانتماء الإسلامي والانتماء الوطني بينهما علاقة الارتباط والوئام، فإقامة الدين لا يمكن أن تكون إلا على أرض ووطن، والعلاقة السليمة بين الإسلام والوطنية هي علاقة انسجام ووئام؛ لأن من ضروريات الدين أن يقوم على أرض ووطن، ولذلك فإن للوطن والوطنية مكانة رفيعة في الدين الحنيف.
وقد استطاعت بلادنا "والحمد لله" أن تضع الوطنية والمواطنة في إطارها الصحيح، ولعل كل مَن يعايش مجتمعنا يلمس تمامًا هذا الامتزاج الواعي، فالذين أساؤوا للدين، وحملوا السلاح، واستحلوا دماء المواطنين، وهم قلة "والحمد لله"، واستهانوا بحرمات الأمة، إنما أساؤوا للعقيدة قبل أن يسيئوا لوطنهم، وسرعان ما كشفت نواياهم وخاب سعيهم.
والمواطنة كما هو مساقها اللغوي والصرفي فِعل من أفعال المشاركة والمفاعلة بين جانبين، وفي ذلك إشارة واضحة للحقوق والواجبات، وقد حرص ولاة الأمر في بلادنا على حقوق المواطنة، وبالتالي فإن المواطن أصبح يحس بالاعتزاز بالانتماء إلى هذا الوطن الذي يجد فيه مَن يرعى حقوقه، ويحرص عليه في كافة المجالات، ويتجلى ذلك في العديد من الحقوق التي نظمت الدولة حصوله عليها بأفضل الطرق، سواء حقه في التعليم والعلاج، حيث يمكن للحديث أن يطول عن مؤسسات التعليم بمراحله المختلفة في طول البلاد وعرضها، وحق المواطن في التعليم بما في ذلك التعليم العالي، بل والابتعاث إلى الخارج لتحقيق رغبته في ذلك، أما في المجالات الصحية والعلاج فإن انتشار المؤسسات الصحية في سائر أرجاء البلاد هو أيضًا مما يطول الحديث عنه، إضافةً إلى المستوى الرفيع الذي وصلت إليه هذه المؤسسات، وما تقدمه للمواطنين، بل للشعوب الشقيقة والصديقة من خدمات، ثم حدّث ولا حرج عن الإسكان ومشاريعه، والتسهيلات الممنوحة للمواطنين، وحق المواطن في العمل، والقائمة أطول من أن يحيط بها المقام.
وقد كان لذلك من الطبيعي أن يكون انتماء المواطن السعودي لبلاده، وولاؤه لقيادته، انتماءً متميزًا وحقيقيًا، ويتجلى ذلك في أداء المواطنين ومشاركتهم لولاة الأمر في السراء والضراء، واستعدادهم للبذل والتضحية كما يحصل الآن في الحد الجنوبي، حيث يسطّر أبناء الوطن صفحات من البطولة والتضحية لدفع الأذى ورد العدوان.
ولم يكن هذا التلاحم بين الشعب والقيادة إلا لإدراك المواطن بفطرته السليمة أولًا، ثم بما يشاهده من الأدلة والبراهين على اهتمامهم برعاية شؤونه، وتوفير سبل العيش الكريم له. وإذا كانت الأوقات العصيبة والملمّات هي التي تكشف الحقيقة، فقد أكد المواطنون بكافة فئاتهم انتماءهم لهذا الوطن في هذا الوقت الذي تواجه فيه بلادنا محاولات النيل من مكانتها وأمنها وسلامة مواطنيها، حيث يقف الشعب صفًا واحدًا وراء قيادته في وحدة وطنية قلّ نظيرها، وتجمع المواطنين في شتى النواحي والجهات على قلب رجل واحد، وهي تزداد متانة وقوة كلما اشتدت محاولات الأعداء الفاشلة حسدًا من عند أنفسهم، وتزداد بذلك خيبتهم وفشلهم الذي تدل عليه محاولاتهم اليائسة لإطلاق بعض المقذوفات هنا وهناك، والادعاء كذبًا وزورًا عن استهدافها لمقدرات الوطن وأمنه.
ويظل من الواجب دائمًا التحذير من محاولاتهم لنشر الشائعات والأكاذيب، ومسؤولية كل مواطن في ذلك بدءًا من وسائل الإعلام، ومؤسسات التعليم، والمساجد، وأندية الأدب والثقافة، وحتى الأفراد؛ لأنهم يحاولون تغطية فشلهم بترويج الكذب والافتراء، ولا يعلمون مدى وعي المواطن وإخلاصه، كما أنهم لم يجرّبوا صدق الانتماء لأوطانهم الذي بلغه إنسان هذا الوطن؛ لأن ولاءهم لم يكن يومًا لأوطانهم، إنما لمَن يدفع لهم، ومَن يوالونه من الغرباء، ولم يتمعّنوا في أنموذج الوفاء الذي يجسّده أبناء هذا الوطن ليتعلموا منهم.. لهم الخيبة ـ إن شاء الله - ولنا الظفر والأمن والسلام.
@Fahad_otaish