يتسابق الكثير من الأبناء إلى تلبية واجبات آبائهم وأمهاتهم فيما يندرج تحت مسمى «بر الوالدين»، سواء كان ذلك من منطلق الوازع الديني والأوامر الإلهية التي تنص على ذلك، أو من بواعث الفطرة السليمة التي جبلت النفس البشرية على تقدير الوالدين وحفظ حقوقهم بالشكل الذي نراه الآن في أغلب البيوت والحمد لله إذ سطرت العديد من الدروس الرائعة في البر حيال ذلك، فقد كانت بدافع الحب والعرفان لما قدموه أكثر من كونها لدافع ديني أو ما شابه، وانطلاقا من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته» ندرك أن للأبناء أيضا حقوقا وواجبات على الوالدين قد تندرج ضمن خانة «عقوق الأبناء»، إن لم تتم بالشكل الصحيح الذي يتناسب مع حجم المسؤولية الملقاة على عاتقيهما حيال أولئك الأبناء الذين قد يواجهون العديد من الصعوبات إن اعتقد الوالدان أن الحقوق للوالدين فقط.
للأسف هناك العديد من الشكاوى التي تؤكد أنه ثمة صراع قائم وسجال محتدم بين البعض من الآباء والأبناء في هذا المضمار، فالوالدان يظنان أن مجرد توفير الحاجيات المادية والمتطلبات الحياتية العادية فقط بمثابة العمل المكتمل للتربية النموذجية والحقوق الكاملة للأبناء، دون أدنى مراعاة للجوانب النفسية للابن، كما أن تصدير آرائه يعتبر إجراء روتينيا من بعض الآباء كونهم يعتقدون بأنه لا يملك الحق في تسيير أموره بالشكل الذي يريد، لأن الفكرة السائدة لدى بعض الآباء تكمن في أن ما على الأبناء سوى تنفيذ ما يمليه عليهم الوالدان بغض النظر عن اقتناعهم بما يقومون به من عدمه، فالابن لا يزال في أعينهم ذلك الطائش المتعثر في قراراته حتى وإن تخرج من الجامعة وأوشك على فتح بيت آخر.
نعلم جيدا بأن الوالدين هما السبب الرئيسي في وجود الأبناء على هذه البسيطة بعد الله، ولكن هذا لا يعطيهم الحق في مصادرة آرائهم وعدم احترام قراراتهم سواء في اختيار تخصص في الجامعة أو شريك الحياة أو أي أمر آخر يخص حياة ذلك الابن ما دام لا يمس القواعد الأساسية من الدين أو يتعارض مع الفطرة السليمة، وهنا نحن نتحدث عن الجنسين ممن هم فوق سن 18 عاما تقريبا، أي أولئك الذين يرغبون في تشكيل حياتهم كما يحبون لا كما يريدها آباؤهم بأن تكون نسخة طبق الأصل عنهم، أو رغبتهم في تعويض ما فاتهم من ملذات الدنيا في حياة أبنائهم لينعموا بحياتين بدل واحدة، مما يجعلهم يسلبون بذلك حياة الآخرين بغير حق حتى وإن كان هؤلاء الآخرون أبناءهم، وهذا ما قد يحاسبون عليه فقد تعدوا على ما ليس لهم، لذا فأخذ الحيطة والحذر من الوقوع في ذلك واجب، فهناك من يحسب أنه يحسن صنعا وقد ضل سعيه !.
11Labanda@