لقد رأيت طفلا لم يتخط العاشرة يقف أمام شاشة الجوال في مقطع يبعث على الضيق، ويبدأ بالتحدث عن النعيم الأخروي، وتفاهة الحياة وألقابها، ومراحلها، وضرورة العمل لما بعد الموت لا لما قبله، وآخر لم يتجاوز الثامنة يتصدر الطلاب في أحد الفصول المدرسية ليحدثهم عن الرجولة وكيف يجب أن تصبح رجلا، ولماذا، هل من الممكن أن يتحدث طفل من قبيل الصدفة بهذه الأمور، أو هل من الممكن أن يتوصل طفل بحدود الثامنة والتاسعة من العمر إلى هذه الاستنتاجات؟، لا نحتاج إلى متخصصين في سيكولوجيا الطفل لنتوصل إلى أن هذا الموقف يشير إلى خلل كبير في بناء شخصية وعقلية الطفل، بإقحامها في أمور تفوق قدرته على التفكير والفهم، وكذلك لا نحتاج إلى قراءات وتحليلات لمعرفة مصدر هذا الخلل لأنه من يكون في هذا العمر لن يتلقى معارفه وسلوكياته في الغالب إلا من مصدرين، وهما العائلة، والمدرسة، وفي هذا دليل على إهمال هاتين المؤسستين لحساسية مرحلة الطفولة، وتقديم المفاهيم الدينية المعقدة، والآراء الخاصة، والمواضيع الاجتماعية ذات الطابع الجدلي، على حساب نفسية الطفل ونشأته السليمة.
قد تظن الأسرة جهلا بأن تلقينها لأطفالها أمرا إيجابيا في كل الأحوال، وبأنانية محضة يتخطى هذا التلقين حدود المعقول، ليصل إلى ما نراه من أطفال يتخطون أعمارهم واهتماماتهم البسيطة إلى أعمار واهتمامات من يشرفون على تربيتهم وتعليمهم، لنجد هنالك من يفكر بالموت بدلا من الحياة، وبالرجولة بدلا من الطفولة، وبالحزن بدلا من الفرح، حبا في الله لا تقتلوا أطفالكم!
@naevius_