نتمتع جميعا بمنحة إلهية قد لا يستشعر أهميتها البعض بالشكل الذي يجب، وقد تتسلل من بين أيدينا دون أن ندرك مدى انعكاسها على صحتنا النفسية إذ أنها قد تبني في داخلنا القدرة على إعطاء كل موقف حقه من المشاعر والاهتمام والمساحة المناسبة دون انتهاك الحق الشرعي في أن «نعيش اللحظة» كما هي، غير مكبلين بأغلال الماضي أو موعودين بسراب المستقبل، إن نعمة الله علينا في أن نعيش اللحظة بكل تفاصيلها واستخلاص بواعث السعادة منها وتحسس مواطن البهجة فيها يجعل النفس البشرية قادرة على أن تدير عجلة حياتها كما تحب، حتى تبتعد من أن تجعل سعادتها رهن حدث ما لتبدأ بعد حدوثه بتعليق قناديل الزينة في يومها لتبتهج، فما أبشع أن يؤجل البعض منا عمره أو يخبئه وكأنه ثوب العيد الذي ينتظر بزوغه كي يلبسه.
لسنا أمام الكثير من الوقت كي نقرن سعادتنا بحدث ما، فبقاؤنا في هذه الحياة يخضع لمشيئة الله مما يحتم علينا أن نستشعر جميع النعم ونشكر الله عليها بتفعيلها في شتى أمور حياتنا، ولو أسقطنا هذا الحديث على وضعنا الراهن لوجدنا أن العديد ممن أصيبوا بفيروس كورونا وأتم الله عليهم الشفاء منه لم يكونوا يوما أسرى له بل سمحوا لنسائم السعادة ونفحات البهجة أن تطرق أرواحهم مما أعتقد بأنه ساهم في استعادتهم لكامل عافيتهم بشكل أسرع، وعلى الضفة الأخرى من أصيب بالفيروس وأغلق نوافذ روحه على كل بصيص نور قد يأتيه من الخارج، فكلما مازحه أحد أو حاول أن يلفت نظره إلى ما قد ينعش روحه، رمقه بنظرة مستنكرة وكأنه يقول: وهل تراني في وضع يسمح بذلك!، لم يبذل أدنى مجهود في أن يعيش تلك اللحظة «المنحة الإلهية» التي جاءت كي تطبطب عليه وتنتشله من تلك الظلمة، مما جعله بحق ممن أجل أن يعيش عمره لما بعد المرض، غير مدرك بأن كل ثانية تذهب منه لن تعود بل قد تعقبها الحسرة إن ذهبت دون أن يعيشها كما يحب لا كما تمليه عليه الظروف.
عندما غادر اللاجئون الفلسطينيون وطنهم احتفظ البعض منهم بمفاتيح بيوتهم التي كانت هناك، وعندما التقى بهم أحد المراسلين وسألهم عن حالهم قالوا: «احنا طلعنا من بيوتنا على أساس يومين وراجعين، علقنا كل آمالنا وأجلنا كل أفراحنا لهذاك اليوم وللأسف اليومين صاروا سبعين سنة»، فمن المؤلم أن نسمح للظروف أن تسرق منا لحظات الصفاء التي كان من الممكن أن ترمم في داخلنا ما هدمته في وقت سابق، وأن نفقد القدرة على أن نسمح «للحظة الحلوة» أن تتسلل لأرواحنا وتنعشها حتى وإن كنا داخل نفق مظلم.
11Labanda@